ضل سائح شاب طريقه في أثناء رحلة صحراوية كان يقوم بها مع مجموعة من أصدقائه، أثناء ممارسة رياضة ما في مكان ليس بعيدًا عن قريتنا الجميلة ولكن لحسن حظه وحسن حظى أيضا صادفنى فى الطريق، وهو يعانى من سوء معاملة اطفال القرية له حيث أخذ الأطفال يلقونه بالحجارة نظرا لكونه غريب الشكل والملبس خاصة أنه غريب اللغة أيضا التى لا يعرفونها الأطفال بل إن هؤلاء الأطفال قد يكونوا لأول مرة يرون سائحا أجنبيا ويسمعون لغتة الغريبة . الأشد غرابة أن البعض من أهل القرية الشباب منهم والشيوخ اختلفوا فى أمره منهم من يقول نبلغ الشرطة ومنهم من يقول نطرده خارج القرية، فضلا عن التوقعات اللامعقولة منهم والأسئلة التى تتردد على ألسنتهم.. مثل : قد يكون هذا الشخص إرهابيا ! ويقول الآخر: لا ..لا قد يكون «داعشى» !! الأمر الذى جعل السائح فى أشد الغضب والحزن والحيرة ورأيت أمنيته فى عينيه وكأنه ندم على زيارة مصر من الأساس وبالتاكيد ينتوى عدم العودة مرة أخرى هو أو كل من يعرفه بعدما يقص عليهم القصة بكل تأكيد.
لقائى مع الدكتورة هالة سليط، المرأة المصرية التى تعيش فى بلاد الإنجليز والأستاذ بجامعة "ليستر" بإنجلترا منذ أكثر من ثلاثين عاما وأثناء إحدى زياراتها لمصر الأسبوع الماضى، كان نقطة مهمة فى هذا الصدد حيث انها تحدثت معى بأنها كانت تتمنى وجود الثقافة السياحية فى بلدها الأم مصر، كانت تتمنى أن كل طوائف المجتمع وكل المهن لديهم ثقافة التعامل مع السائح وليس فقط لمن هم يعملون فى مجال السياحية ..لأن السائح بطبيعة الحال يتعامل مع كل أطياف المجتمع بمختلف وظائفهم وحرفهم وحتى مع الناس فى الشارع والأطفال والبائعين الأمر الذى أصبح ضرورة وجود ثقافة سياحية على أعلى مستوى فى بلدنا الحبيبة، فبالفعل اتفقت مع الدكتورة هالة سليط بأن المجتمع المصرى يعانى من ضعف الثقافة السياحية بين صفوف افراده بالرغم من اننا بلد سياحى من الدرجة الاولى ونمتلك ثلث اثار العالم .. الامر الذى اصبح ضرورة التحرك فورا لبناء مجتمع مثقف سياحيا ، فالسياحة مرتبطة بسلوكيات الأفراد ، ولن تنهض السياحة وتزدهر إلا إذا حضنها المجتمع ككل واعتبرها قضية مجتمع وهذا لم يحدث ان لم يحتضنها "التعليم" باعتباره الطريق الاول والوحيد لغرس مثل هذه الثقافات.
"التعليم" يا سادة هو كلمة السر.. فلقد سقطت "الثقافة السياحية" من حسابات التعليم .. كنت أتمنى أن أجد لها مكانا فى زمن التعلم الرقمى، وكنت أتمنى أن تقوم وزارة التعليم بالمساهمة والتخطيط لبناء برامج سياحية وكتب ومناهج خاصة عن السياحة فى مصر وكيفية التعامل مع السياح ونشر الثقافة السياحية فى مصر بالتوازى مع التعلم الرقمى الجديد الذى يعلن الوزير بتطبيقه، كنت أتمنى أن يكون لوزارة التعليم دور فى بناء السياحة بوجه جديد - بالتوازى مع نظام التعليم الجديد - يخرجها من روتينها المعتاد ويجعل منها وجهة متعددة الخيارات حتى تضمن لها البقاء والاستمرارية وكذلك أتمنى المساهمة في تغيير مفهوم السياحة الداخلية مع الحفاظ على هوية المواطن.
فالوعي السياحي عنصر مهم وعامل مؤثر في السياحة وتطورها من جهة والسائح والتأثير في نفسيته من جهة أخرى، ولذا فإن أغلب الدول التي تمتلك حركة سياحية تعد برامج وهيكلية عمل في معاملة السائح الوطني والأجنبي خاصة لأن السائح الذي يزور منطقة معينة أو بلد معين ينقل صورته وتطلعاته ومشاهداته ومعاملة الناس له إلى أفراد مجتمعه الأصل فإذا كانت الصورة التي ينقلها جيدة ومعاملة الناس له لائقة سيشجع الآخرين على الوفود إلى المنطقة أو البلد الذي زاره السائح وبالعكس إذا كانت الصورة عكس ذلك فإن هذا يؤثر على القدوم إلى تلك الدولة أو المدينة مرة أخرى.
إذن يجب علينا أن نزرع التوعية السياحية في أذهان طلبتنا فى المدارس والجامعات لزيادة الوعي السياحي لديهم لينعكس ذلك في كيفية معاملة السائح الأجنبي والعربي لنحقق بذلك ما هو أفضل لاستمرارية قدوم السياح الينا . فلماذا لم نهتم بالثقافة السياحية فى المناهج التعليمية لكل المراحل وكل الأعمار ولا تقتصر فقط على الدراسة المتخصصة فى الجامعات ! والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل سيكون للثقافة السياحية مكان فى زمن التعلم الرقمى داخل وطن يمتلك ثلث آثار العالم ؟!