عباس شراقي يُحذر: سد النهضة قد ينفجر في أي لحظة    جامعة الأزهر تحتفي بالقيادات النسائية وتبرز دور المرأة في المجتمع    بلينكن: أمريكا ستتخذ كل الإجراءات للدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط    وزير الخارجية: من غير المقبول إفلات دولة ترى نفسها فوق القانون من العقاب    بالفيديو.. ناصر منسي يسجل هدف التعادل للزمالك أمام الأهلي    السوبر الإفريقي – من اللمسة الأولى.. ناصر منسي يتعادل ل الزمالك بعد 40 ثانية    مقاول يتهم رئيس مجلس مدينة أوسيم بخطفه واحتجازه والاعتداء عليه والأمن يحقق    إضاءة أهرامات الجيزة وتمثال أبوالهول احتفالا باليوم العالمي للسياحة    إضاءة أهرامات الجيزة وتمثال أبوالهول لمدة ساعتين احتفالا باليوم العالمي للسياحة    "مش هفتي في قانون الكرة".. مراد مكرم يعلق على مباراة الأهلي أمام الزمالك في السوبر الأفريقي    حماس تندد بخطاب نتنياهو في الأمم المتحدة    إصابة طفلة بحروق نتيجة صعق كهربي بالواحات البحرية    حادث غامض.. سقوط طفلين من سيارة بالطريق السريع في العياط    جامعة كفر الشيخ تستعد لاستقبال طلابها في العام الجامعي الجديد    الجيش الروسي ينفذ 33 ضربة مشتركة على مؤسسات صناعية عسكرية أوكرانية    كيف علق نبيل الحلفاوي على أحداث الشوط الأول من مباراة الأهلي والزمالك؟    عصام السيد: تعرضت لانتقادات بسبب حسين فهمي وعزت العلايلي في «أهلا يا بكوات»    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    محافظ المنوفية: تنظيم قافلة طبية مجانية على مدار يومين بقرية دكما    رئيس المصريين الأحرار: المواطن غير راض عن الدعم العيني    إقبال جماهيري كبير على مركز شباب الجزيرة لمشاهدة مباراة الأهلي والزمالك    وزير الخارجية الجزائري يجري بنيويورك محادثات ثنائية مع العديد من نظرائه    الوزارة فى الميدان    كولر: متفائل بتحقيق الفوز على الزمالك.. ونسعد جماهير الأهلي في السوبر    القاهرة الإخبارية: أعداد النازحين إلى بيروت تتغير بين ساعة وأخرى    نظام دولي.. وزير التعليم يكشف سر تعديل نظام الثانوية العامة    العمل والإتحاد الأوروبي يبحثان إعداد دليل تصنيف مهني يتماشى مع متغيرات الأسواق    «مياه مطروح» تنظم الندوة التوعوية الثانية بالمسجد الكبير    "الصحة" تطلق تطبيقًا لعرض أماكن بيع الأدوية وبدائلها    سون مهدد بالغياب عن توتنهام في قمة مانشستر يونايتد    حقيقة إضافة التربية الدينية للمجموع.. هل صدر قرار من وزارة التعليم؟    توقعات عبير فؤاد عن مباراة الأهلي والزمالك.. من يحسم الفوز بكأس السوبر؟    في يوم السياحة العالمي.. أسعار تذاكر المتاحف والمناطق الأثرية    منظمة "أنقذوا الأطفال": 140 ألف طفل اضطروا للفرار من منازلهم بجنوب لبنان    جراحة عاجلة للدعم فى «الحوار الوطنى»    عودة لقانون 2008.. إجراءات جديدة لتسهيل استخراج رخص البناء بدءًا من الغد    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    «حياة كريمة» توزع 3 آلاف وجبة غذائية ضمن مبادرة «سبيل» بكفر الشيخ    سياسية المصرى الديمقراطى: نحن أمام حرب إبادة فى غزة والضفة    استشاري تغذية: الدهون الصحية تساعد الجسم على الاحتفاظ بدرجة حرارته في الشتاء    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    آس: راموس لم يتلق أي عرض من الزمالك    محافظ أسوان يؤدي صلاة الغائب على شهيد الواجب معاون مباحث كوم أمبو    انتصارات أكتوبر.. "الأوقاف": "وما النصر إلا من عند الله" موضوع خطبة الجمعة المقبلة    محافظ الفيوم يعلن نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طامية المركزي    انطلاق فعاليات ماراثون الجري بالزقازيق    فتح شواطئ وأندية الإسماعيلية بالمجان بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للسياحة    أيمن بهجت قمر: «تامر حسني بيحب يغير في كلمات الأغاني» (فيديو)    بدء تطبيق المواعيد الشتوية لغلق المحلات.. الحد الأقصى العاشرة مساءً.. زيادة ساعة يومي الخميس والجمعة.. وهذه عقوبة المخالف    مصرع تلميذة سقطت من أعلى مرجيحة أثناء لهوها بقنا    الكاف يستعرض مشوار الأهلي قبل انطلاق السوبر الإفريقي    توجيهات لوزير التعليم العالي بشأن العام الدراسي الجديد 2025    رئيس الرعاية الصحية والمدير الإقليمي للوكالة الفرنسية يبحثان مستجدات منحة دعم التأمين الشامل    غلق الدائري من الاتجاه القادم من المنيب تجاه المريوطية 30 يوما    ولي عهد الكويت يؤكد ضرورة وقف التصعيد المتزايد بالمنطقة وتعريضها لخطر اتساع رقعة الحرب    حريق كشك ملاصق لسور مستشفى جامعة طنطا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زواج الأطفال وسبعة آلاف عار
نشر في الأهرام العربي يوم 03 - 12 - 2017

وأنا أتابع موضوع تزويج الأطفال في العراق ، بدأت أخوض تجربة استدعاء الشخصيات التاريخية ومحاورتها، استحضرت سميراميس و شبعاد و ملكات العراق بل و حتى جاراتنا من ملكات مصر و سوريا و اليمن و سألتهن عن رأيهن في هذه الكارثة .
إن الطفلة الأنثى التي لم تصبح امرأة ، و لكنها ستكبر يوما ما و تصبح امراة مسؤولة عن عائلة و اطفال بل مجتمع بأسره هي محور و نواة الوطن و البذرة التي نعتمد عليها لزرع سليم و ثمار زكية تسر قلب الوطن و تحي الامجاد القديمة و تصنع مجد جديد بشرط نشأتها في بيئة صالحة و رعاية شاملة من تعليم و صحة و تربية اخلاقيه بمعانيها السامية و الحفاظ على حقوقها بالامن و السلام النفسي و الجسدي بما تتطلبه كل مرحلة عمرية
و من واجب الجميع تأمين تلك الرعاية لكل طفل في الوطن و الدفاع عنه و عن حقوقه و التأكيد على ذلك في القانون و الدستور و كل مؤسسات الدولة ، وسؤالي للرجال في حكومتنا أين حمايتكم لبنات حواء من الاطفال و البالغين و كبار السن ، و أنتن ايتها الناشطات و النائبات يا من تمثلن المراة و الدفاع عن حقوقها في حكومة بلادكم كيف تتخلون عن اهم القضايا التي تمس بنات جنسكن و أنتن امهات و تعرفن معنى الأمومة و الطفولة
اما أنتن يا امهات الاطفال التي تباع باسم الدولار او اسم الدين او اسم العجز و البطاله ، كيف تسببون لفلذات أكبادكن بالقهر و الظلم و كأنكم تقتلونهن احياء .
قبل ان أخوض في موضوعنا الأصلي أودّ ان استعرض في عام 2017 ما كانت عليه المراة قبل التاريخ لعلنا نخجل من حاضرنا و نعود للحضارة التي اتينا منها فكيف نترك الأصل و نتبع الدخائل و نحن اصل الحضارات حضارة بلاد الرافدين التي مرت عليها الشرائع و القوانين التي كانت تختص بالمرأة و كيف كانت مكانة المراة في الدولة السومرية بالاشارة الى إصلاحات اورو كاجينا و كيف كانت شريعة آور نمو مؤسس سلالة آور الثالة التي اهتمت بتشريع القوانين المختصه بالمرأة العازبة و المتزوجة و المطلقة و كيف كان حمورابي ايضا واعيا بتشريع قوانين تخص المراة و الاسرة حيث خصص ثلاثين مادة قانونية تعنى بالمرأة و الاسرة في شريعته حيث كانت المراة في تلك الحقبه تتمتع بحريتها و حقها و تشارك في إدارة الدولة و تقسيم الارزاق و الطب و الغناء و كانت كاهنه و ملكة و حاكمه و لها كلمة في بيتها و عند زوجها و ابنائها
رحم الله الملكة السومرية – بو – آبي ( شبعاد ) التي كانت شخصية عظيمة في مدينة أور خلال عصر الأسرة الأولى حوالي العام 2600 قبل الميلاد التي كانت معروفة بالأناقة و الجمال و الذوق الرفيع تلك العراقية السومرية التي يتحدث عنها العالم بعد كل تلك السنين
و رحم الله الملكة سميراميس اسمها الحقيقي سيمورامات ومعناه محبوبة الحمام الملكة الآشورية عام 800 ق.م أسطورة الجمال و الحكمة مما يدل على نظرة المجتمع للمرأة و تقيمهم لها من الواقع و الحقيقه و الأساطير
و رحم الله الكاهنه إنخيدوانا التي معنى اسمها زينة الكاهن الأعلى للإله آن وهو اسم يشير إلى الاله نانا (سين) إله القمر
الاميرة الأكدية ابنة الملك سرجون الأكدي
يعتبرها علماء الأدب والتاريخ أقدم امرأة كاتبة وشاعرة و صنفت هذه العراقية الجميلة اول شاعره في التاريخ تكتب قصائد للاله هانون
وصلت إنخيدوانا إلى أعلى رتبة كهنوتية في الألف الثالث قبل الميلاد، مُعينة من قبل والدها الملك سرجون الأكدي وكان لها دور بارز زمن حكم أبيها و أمها الملكة تاشلولتوم مما يدل على ايمان الرجل الاكدي القديم بقدرة المراة و امكانياتها و إيمانه بدورها مما أعطاها هذا الشأن العظيم بما تستحق
ورحم الله المطربة السومرية آور نانشي التي تعتبر اول مطربة او من اوائل من تحدث عنهم التاريخ في مجال الغناء في العالم القديم تجيد العزف على الآلة الموسقية، بدليل وجود تمثال لها وهي تعزف و هي اول من غنت اغنية عاطفية
عن الحب تدور حول عروس مبتهجة وملك اسمه (شو- سين ) في بلاد سومر قبل ( 4000عام ) وهو رابع ملوك السلالة الثالثة في اور.
ورحم الله الملكة ادد كوبي والدة العاهل البابلي التي عاشت نص سيرة الملكة الأم اداد-كوبي قد وجد محفورا على لوح حجري او بالاحرى في مسلة كانت قد وضعت في ارضية مدخل جامع مدينة حران. وقد اكتشفت صدفة حين جرى تعميره. وكانت اسس البناء في الاصل معبدا للاله الكبير سين(القمر) في مدينة حران (حاليا بلدة صغيرة في جنوب تركيا).توفيت ادد-كوبي عام 541و قد دونت سيرتها قبل وفاتها، وحفرت السيرة على مسلة رفعت امام قبرها، والتي كتب عليها سيرتها:
''انا اداد-كوبي ام نابونائيد ملك بابل، وخادمة الهي سين، وكذلك الآلهة نركال ونوسكو وسادارنونا؟ .
قمت بخدمة الالهة المقدسة منذ ان كنت شابة. ولدت حينما كان قد مضى عشرين سنة على حكم ابي الملك آشوربانيبال. وحتى السنة الواحدة والعشرين والثانية والعشرين من (الاله الشرير مردوخ!)، وطول هذه المدة اعتنيت بالاله العظيم سين: ملك الهة السماء والارض، واعتنيت بجميع معابد هذا الاله العظيم،وقد بلغ عمري 95 عاما، وفي عهد ابني نابونائيد الذي استطاع ان يفتح لمدينة القمر حقبة جديدة من الاشعاع الروحي. اذ ان الاله سين هو الذي رعاني، وجعلني اقوم باعمال طيبة، انجزتها بكل سرور. وكان الاله قد استجاب الى صلواتي وقبل رجائي، حينما دعا ابني الوحيد(نابونائيد ) الذي هو من نسلي،الى عرش الملوكية. وهو نفسه الذي اعطى الملوكية الى سومر واكد، كما وهبها الى كل الممالك حتى البحر الاعلى(المتوسط) وحدود مصر وحتى البحر الاسفل(الخليج ) وكل الارضين. وقد حلمت بالاله سين ملك الالهة،ووجدته يضع يديه علي قائلا:سأجلب الالهة الى موطنها في حران بمساعدة ابنك نابونائيد الذي سيجدد بناء المعبد في حران ويجعله اعظم من ذي قبل، ثم سيجلب الالهة ننكال ونوسكو وسادارنونا في موكب مهيب الى مستقرها في (اي-هول- هول) وكنت اصغي الى كلماته التي تحققت .”
بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة حيث بدأت المرأة تشارك في الحياة السياسية في مطلع الأربعينات من خلال اللجنة النسائية لمكافحة الفاشية ثم تخرجت نخبة من النساء من كلية القانون وعملن في سلك المحامات، كما كان لها الدور البارز في وثبة يناير عام 1948 ميلادية لإسقاط معاهدة بورتسموث، وشاركت في انتفاضة أكتوبر عام 1952 حيث تعرضت 150 امرأة للاعتقال
و مر على تاريخ العراق سفيرات ووزيرات و كاتبات و مهندسات و ناهضات نسوية و شاعرات و رائدات في كافة المجالات أمثال نازك الملائكة و نزيهه الدليمي و امينة بغداد سعاد العمري و اسيا توفيق وهبي و حفصه خان النقيب و مارجريت بشير سرسم و ماهرة النقشبندي و وداد الاورفلي و اديبه طه الشبلي و بولينا حسون و غيرهن كثيرات لا يسعني ان اذكرهن جميعا
بعد هذه المقدمة الطويلة للتمهيد لموضوع معاصر رأيت أن مقارنته بتصور سابقه سيرثنا الخجل و الشعور بالغثيان من تردي حالنا من أبناء حضارات عظيمه كانت قدوة و منارة بل ام الحضارات التي تبعتها و لحقتها الى عصرنا الحالي و لا اقصد فقط موضوع المقال لزواج القاصرات و الأطفال و إنما لمواضيع كثيرة أخرى
و بالعودة لموضوعنا
بالرغم مما حققه وطني العراقي الغالي من انتصار عسكري مشهود له اقليميا وعالميا على داعش وما يعنيه ذلك من استعادة العراق لاستقراره الأمني والسياسي، غير انه لم يحقق حتى الآن سلاما اجتماعيا يحفظ للكائنات الضعيفة والمهمشة حقها الانساني في الاختيار والكرامة وعلى رأسها المرأة والطفل.
وللأسف، فانه حتى الآن، لم ينجح العراق بعد في معركة الانتصار لحقوق الطفولة والمرأة ولم يقضي على الرواسب العطنة لفكر داعش خاصة فيما يتصل بالمرأة ونظرته الدونية كسبية او جارية تباع في أسواق النخاسة، ولعله من أكبر البراهين على ذلك محاولات تمرير قانون زواج القاصرات بمجلس النواب والموافقة المبدئية عليه وسط غضب جم من الشارع العراقي اليقظ لمخاطر هذه الجريمة التي تعيد المرأة لعصر الاسترقاق والعبودية مجددا بعد ان تحررت منه.
فلا يتصور أي عقل ان يوافق مجلس النواب على قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي يتيح الفرصة لتزويج الطفلة الأنثى عند عمر لا يتجاوز التسع سنوات مبرئا ذمته امام الله بالزعم بموافقة ولي الأمر، في انتهاك صارخ لحقوق الطفولة، وكأن من وضع مثل هذا التشريع يتفق اتفاقا فكريا وفقهيا مع فكر الدواعش الذي ينال من حقوق الطفولة البريئة والمرأة في الذود عن حقها الاساسي الذي كفتله الشريعة الاسلامية باختيار الزوج.
فمشروع هذا القانون في اجازته تزويج الطفلة بعمر 9 سنوات يمثل انتهاك صارخ للدستور العراقي نفسه، الذي يحفظ كرامة المرأة وحقوقها الانسانية وهويتها، كما أنه يتناقض مع قرارات الأمم المتحدة التي تحث على حقوق المرأة وكرامتها، وهو بالنهاية في تقديري الشخصي نوع من الاتجار بالبشر تحت غطاء قانوني.
فكيف يمكن للمجتمع العراقي ان يعيد بناء طاقته الروحية والحضارية وهو ينتهك بالقانون روح الطفولة البريئة؟ ! فمثل هذا القانون اللاإنساني يعيدنا الى أزمان الجاهلية حيث وأد البنات، ولكنه وأد هذه المرة مشرع قانونيا، وكأن العراق بمثل هذا المشروع المشئوم يعود للخلف حيث التخلف والرجعية وانعدام الاخلاق والرحمة الانسانية بدلا من أن يخطو خطوات للأمام في سياق النهوض بأفراده صغار وكبارا نحو مزيد من التطور الحضاري الذي صنعته الأجيال السابقة.
تاريخ .. وأزمة حاضر
فقد صدر أول قانون للأحوال الشخصية المدني في العراق العام 1959 مستندا الى أحكام مأخوذة من تشريعات دينية وقوانين مدنية، ومازجا بين المذاهب والأديان دون تحيز. فالقانون الساري المفعول منذ زمن الرئيس عبد الكريم قاسم، يمنع تعدد الزوجات وزواج القاصرات إلا بشروط معينة، ويمنح الأم الحق في حضانة صغارها، ويعطي الحق للزوجة بأخذ إرث زوجها في حال الوفاة على خلاف بعض الآراء الفقهية الدينية اليوم التي لا تورث الزوجة في العقارات والأراضي وتميل إلى منح الحضانة للأب.
وبعد سقوط الرئيس صدام حسين و دخول القوات الأميركية البلاد، ألغى الحاكم هذا القانون وأصدر القرار رقم (137) ليعيد العمل بالقضاء المذهبي، إلا أن القرار ألغي بعد صدوره بفترة وجيزة في عام 2004 بعد تظاهرات حاشدة شعبية وضغوط مدنية طالبت بإلغائه.
ولكن كما يبدو أن الاحزاب الاسلامية الشيعية والسنية قد نجحت هذه المرة في اعادة العمل بالقضاء المذهبي عبر تمريره بموافقة مبدئية داخل أروقة مجلس النواب، ولكن في المقابل،
وكما يقول القانونيون فان تعديل القانون حسب رغبة الاحزاب الاسلامية يتضمن مخالفات دستورية وقانونية خطيرة، اذ ان تعديل قانون الأحوال الشخصية الوارد في الدستور هو ضمن البنود التي اتفقت الكتل السياسية عليها منذ سنوات، وينبغي حسم التعديلات قبل تشريع القانون الجديد.
حيث تنص المادة (41) من الدستور على ان “العراقيين احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون.
ويوضح القانونيون مأزقا أخر في مشروع التعديلات الأخيرة ، وهو ان القانون المقترح يحيل قضايا الزواج والطلاق والحضانة والميراث الى هيئة الاوقاف الدينية التابعة الى الحكومة وليس الى المحاكم المدنية التابعة الى القضاء، وذلك يعني حقيقة تعارضه مع مبدأ الفصل بين السلطات، بجانب اشكالية مبادئ حقوق الانسان والقوانين الدولية المعنية بحماية حقوق المرأة، حيث أن تنظيم مثل هذه القضايا يجب ان يكون من صلاحية المحاكم وليس السلطة التنفيذية عبر دوائر الاوقاف الدينية السنية والشيعية وباقي الأديان.
أسباب ولكن ...
لاشك ان الحروب الطاحنة التي شهدها العراق وفقدان الكثير من الأسر لعائلها وانتشار الفقر في أوساط العراقيين، وعدم توافر فرص العمل للمرأة التي فقدت عائلها قد دفع بعض الأمهات الى تزويج أطفالهن للتخلص من أعبائهن الاقتصادية، بينما وقف المجتمع العراقي وهو مسئول عن هذه الجريمة النكراء دون ان يحرك ساكنا او يبحث عن فرص عمل لهؤلاء النسوة اللواتي فقدن مصدر للرزق وعجزن عن توفير المأكل والملبس لصغارهن، ولم يجدن أية رعاية اجتماعية من الحكومة او حتى بعض المؤسسات المدنية والدينية.
والنتيجة المؤسفة أن ظاهرة تزويج الصغيرات قبل سن ال 18 عاما قد أخذت في النمو والتزايد المضطرد ، وبدلا من أن تسهم الحكومة في ايجاد حل يقتلع ظاهرة تزويج القاصرات، سارعت الى تشريع قانوني يمثل كابوسا لأوضاع الطفلة والمرأة اليوم وغدا.
فقد انتشرت عقود زواج القاصرات بمكتب السيد، وقضاياها تحتل ساحات محاكم القضاء العراقي، وسط صمت الجهات المسئولة وعجز الحكومة والبرلمان والمؤسسات القانونية والقضائية عن تعديل قانون الأحوال الشخصية بما يمنع من زواج القاصرات.
و ظاهرة تزويج القاصرات في كوردستان ايضا تحت مزاعم موافقة ولي الأمر تشكل كارثة انسانية بكل المقاييس، خاصة وانه لم تفلح جهود النشطاء والحقوقيين في مكافحتها وتعريتها والضغط على الحكومة لمنعها بوصفها جريمة اتجار بالبشر.
وللأسف فان الكتاب والمثقفين ومؤسسات المجتمع المدني لم يدشنوا حملات التوعية والتثقيف والتجمعات والتظاهرات لوقف هذه المهزلة الانسانية بحق الطفولة البريئة، بينما المؤسسات الدينية لم تمانعها بل اطلقت بها مشروع هذا القانون الكارثي لتزويج القاصرات دون النظر الي حقوقهن الانسانية.
جريمة اغتصاب
كما هو واضح للعيان، فان تزويج القاصرات في سن التاسعة يمثل جريمة اغتصاب مكتملة الاركان، وهذا القانون يخالف اتفاقية سيداو الخاصة بحقوق المرأة، عندما اجاز القانون زواج القاصرات في سن التاسعة هو بذلك مخالف للمادة 14 من الدستور العراقي التي ساوت بين العراقيين من حيث الدين والمعتقد والمذهب، كما أن القانون منع خروج المرأة الا مع محرم وهو يخالف حقوق الحرية الفردية.
وفي تقديري، ايضا ان هذا القانون " العار" سيشجع اكثر الاسر الفقيرة من المذاهب الاسلامية الأخرى على تزويج اطفالهن الصغار بما يؤدي الى انتشار الطلاق و الموت و الأمراض لهذه الأطفال مما يشل حركة المجتمع في الانضباط أو تحقيق أي سلام اجتماعي.
خط أحمر
ومما يثير الدهشة، الاستعجال بتمرير القانون بالنواب دون محاولة سماع رأي المجتمع المدني بشأنه، ولكن رفض أصحاب الضمائر الحية في بلادنا لمشروع هذا القانون قد أزاح بعض الهم من قلبي، اذ انه قد يفتح الباب امام جهود الغاء هذا القانون الداعشي من وجهة نظري، بل اني أشد على أيدي الناشطين في مجال حقوق الانسان والمدافعين عن المرأة والطفل في بلادنا لمواصلة الجهود من أجل عدم تمريره بمجلس النواب.
ولعل النجاح السابق الذي حققته جهود المجتمع المدني في مواجهة القضاء المذهبي والغائه عام 2004 ، يحفزنا نحن العراقيين لإعادة هذه التجربة الناجحة بشن حملات توعية في الاعلام والمراكز الرياضية ضد مشروع تزويج القاصرات، وعلى كل كاتب ومبدع عراقي ان يسهم بما يستطيع لانجاح هذه الحملة.
أما مؤسسات المجتمع المدني بكل اطيافها وشبكاتها الحقوقية مطالبة بالضغط علي الحكومة والبرلمان بكل السبل لإلغاء التصويت على هذا القانون العار علي جبين العراق الحضارة والانسانية، وابراز الحقيقة المؤلمة والمفزعة بإن مشروع قانون تعديل الاحوال الشخصية يعد احد اساليب العنف والتمييز ضد المرأة .
ولابد ان تحتشد كل جهود المجتمع المدني واصحاب الضمائر الحية في بلادنا لإعلان حملة "القاصرات خط أحمر" نوضج فيها بكل السبل الجريمة التي ترتكب بحق هذه الطفلة البريئة التي تسحق براءاتها عند تزويجها بكهل من اجل المال في جريمة استغلال جسدي تخالف المواثيق الدولية، وابراز المخاطر الصحية التي تتعرض لها اذا ما تعرضت للحمل في السن الصغيرة واحتمال تعرضها للوفاة المبكرة.
والدعوة الجادة لوضع تشريعات قانونية تجرم اجراء الزواج بعيدا عن المحاكم الشرعية، والعمل على اغلاق المكاتب الشرعية التي تتخذ من هذا العمل تجارة رائجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.