شهدت حياة الفنانة الراحلة شادية مزيج من الأفراح والأحزان، إلا أن جمهورها لم ينل منها إلا الفرحة والتفاؤل، وحينما سألها الإعلامي وجدي الحكيم في حوار، هل انت متشائمة؟ فأجبته قائلة "لا مش بتشاءم دايما، حتى في عز أزمتي، بتفاءل"، وهذا ما فعلته شادية في جمهورها، حيث رسمت البسمة على شفاههم وعلت البهجة وجوههم حال طالتها عيونهم أو سمعتها أذانهم، حتى بعد إعتزالها، لم يتذكرها جمهورها بأي سوء، فقد كانت "إنسانة" بكل معاني الكلمة. حتى في قرار اعتزالها الذي جاء فجأة بعد ان صعدت قمة هرم الشهرة والنجومية، كانت فريدة ومختلفة، فكما صنعت نجاحها تنبأت باعتزالها في آخر اغانيها "خد بإيدي" التي كانت مناجاة إيمانية تتوق فيها الى عالم التدين والصوفية والصفاء والتصالح مع النفس. ومن خلال كلمات أغنية "خد بإيدي" للشاعرة عليه الجعار ومن تلحين الموسيقار عبد المنعم البارودى سنعرف فيما كانت تفكر شادية بعد إعتزالها، فالأغنية تقول: جه حبيبي وخد بإيدي...قلت له أمرك ياسيدي...أمرك ياسيدي جه وعرفني طريقي وسكتي...وفهداه وفنوره مشيت خطوتي وفحماه هلت بشاير فرحتي...والآمان فرد الجناح على دنيتي... قلت ياشموع الفرح حواليه قيدي...جه حبيبي وخد بأيدي... قلت له أمرك ياسيدي...أمرك ياسيدي. لما جه سلمتله عقلي وقلبي ...من حنانه ورحمته وعطفه عليه هو نعمة من السما ...أرسلها ربي بالهدى...بالخير لكل الأنسانيه يوم ماجه حسيت بأن اليوم ده عيدي...جه حبيبي وخد بإيدي ... قلت له أمرك ياسيدي...أمرك ياسيدي وآدي حالي وحال جميع المؤمنين...اللي آمنوا بالنبي الهادي الآمين اللي جه رحمه لكل العالمين...يانبينا ياختام المرسلين. خد بإيدي...خد بإيدي...خد بإيدي. قالت شادية في حديث لها بعد الاعتزال: لحظة الأعتزال أتت في ثوان ويبدو أنها تكون في العقل الباطن .. تأتي وتذهب .. وأنا صغيرة كنت أصلي وأتعلم قواعد الدين والحمد لله .. لهذا أقول لابد للأطفال أن يتعلموا القرآن الكريم وهم صغار لا أقول يحفظونه كله أنما يقرؤنه .. هذا نفعني عندما بدأت أصلي مرة أخرى وذهبت للعمرة من نفسي ووجدتني أريد الذهاب للعمرة مرة أخرى وقبلها كنت أطلب من أي مسافر أن يحضر لي إيشاربات .. ما أعرفش ليه ؟ برغم إني لم أكن أضعها فوق رأسي هي ولاغيرها ثم قالت : المهم عملت آخر أغنية لي "خد بإيدي" وقلت سأتجه إلى هذا اللون ووجدت الناس أحبته جدا وأنا قلقة بإحساس حلو قوي فأحضرت مؤلفين وملحنين وقعدنا نسجل أغاني في جهاز التسجيل لأحفظها فوجدتني مش عارفة أحفظ حتى في الصلاة أقرأ القرآن وعقلي يذهب لحاجات تانية مش عارفة إيه فقلت يا رب أعمل إيه ؟ ذهبت لفضيلة الشيخ الشعراوي وعرفت انه ساكن عند سيدنا الحسين جريت وركبت سيارتي بعد صلاة الظهر تقريبا رحت هناك فوجدت تحت البيت رجال الأمن فقلت لهم قولوا لفضيلة الشيخ أن الفنانة شادية عايزة تقابلك فالراجل كتر خيره قال خليها تطلع وطلعت وقلت : أنا جايه أسألك في حاجة وأمشي أنا بعدما غنيت (خد بإيدي) قلت يا رب أنا هاغني في حبك أنت وأنا دلوقت مش قادرة أحفظ وعاوزة أتحجب. كان لدى الفنانة شادية شقة كبيرة بحي المهندسين وتواجه مسجد الدكتور مصطفى محمود وكان يقدر ثمنها في ذلك الوقت بربع مليون جنيه فتبرعت بها للمسجد بهدف إنشاء مركزا لاكتشاف مرض السرطان مبكرا وأيضا لعلاج المرضى غير القادرين بالمجان . أيضا كانت تمتلك قطعة أرض في منطقة الهرم اشترتها في سنوات مبكرة من عملها في السينما مع صديقتها مريم فخر الدين وأقامت فى جزء منها شاليها خاصا وقبل اعتزالها بدأت فى إقامة الطابق الثاني ثم أوقفت البناء وأنشأت مسجدا ووحدة صحية ومركزا لتحفيظ القرآن بدلا من الشالهية وأطلقت على هذا المجمع مسجد الرحمن. شادية كانت حالة فريدة بين الفنانين المعتزلين، لأنها لم تفكر في العودة مرة أخرى، ولم تتحدث يوما ما عن حرمة الفن، وعاشت بقية حياتها البعيدة عن الأضواء في سكينة وهدوء. ولدت الفنانة المصرية شادية بحي عابدين في القاهرة عام 1934، واسمها الحقيقي فاطمة أحمد كمال شاكر، وقدمت 112 فيلما، و10 مسلسلات إذاعية ومسرحية، واعتبرها الكثير من النقاد أهم فنانة شاملة، وأطلقوا عليها لقب دلوعة السينما المصرية. ولقد شهد عام 1947 أول تعارف بين شادية والجمهور من خلال دور ثانوي في فيلم "أزهار وأشواك"، وشاركت في نفس العام في فيلم" العقل في إجازة" مع الفنان محمد فوزي، وأطلق عليها المخرج حلمي رفله اسم "شادية" في ذلك الفيلم، حيث أدهشت الجميع بأدائها المتميز. ولقد تزوجت الفنانة شادية في بداية حياتها من الفنان عماد حمدي، ولم يستمر زواجهما أكثر من 3 سنوات، ثم تزوجت من المهندس عزيز فتحي الذي انفصلت عنه أيضا بعد 3 سنوات، وفي عام 1965 تزوجت الفنان صلاح ذو الفقار وانفصلا عام 1972. وظلت الفنانة المصرية نجمة الشباك الأولى لمدة تزيد عن ربع قرن، وفي عام 1984 اختتمت مسيرتها الفنية بفيلم "لا تسألني من أنا". تدين شادية في ظهورها، إلى المخرج حلمي رفلة، الذي رشحها للوقوف أمام الفنان الكبير محمد فوزي، في فيلم “العقل في أجازة” الذي حقق إيردات كبيرة وقت عرضه، الأمر الذي شجع فوزي على الاستعانة بها في عدد من أفلامه، مثل بنات حواء، وصاحبة الملاليم، وراهن عليها المنتج أنور وجدي، واستفاد من نجوميتها، وحقق من ورائها أرباحا كثيرة، وهو الذي منحها لقب "دلوعة السينما"، لقدرتها على التمثيل والغناء وخفة الظل، التي كانت سمة أصيلة في تكوينها. نجحت شادية في تكوين ثنائي فني رائع، مع النجم كمال الشناوي، والذي قدمت معه فيلم "امرأة مجهولة"، وكان عمرها في ذلك الوقت، 25 عاما، وهذا الدور جعل كل النقاد يعترفون بأنها ممثلة من طراز فريد، وتستطيع تقديم كافة الشخصيات. وعندما التقت مع الفنان صلاح ذو الفقار، غيرت نمط أدوارها، واتجهت إلى الكوميديا، ومن أبرز أفلامها مع ذو الفقار،"مراتى مدير عام"، ومن أهم أدوارها على شاشة السينما، فيلم "اللص والكلاب"، أمام شكري سرحان. ورغم قرار شادية بالتفرع بشكل كامل لفنها، إلا أنها وقعت في الحب للمرة الثالثة، وكان البطل هذه المرة الفنان صلاح ذو الفقار، حيث تحولت قصة الحب الشهيرة بين "أحمد ومنى" في فيلم "أغلى من حياتي" لقصة حب حقيقية في الواقع، واندلعت شرارة الحب بينهما أثناء تصوير الفيلم، واستمرت قصة الحب شهورا عديدة حتى توجت بالزواج. لقد كان صلاح ذو الفقار يحب شادية، لدرجة أنه خشي من أن يخسرها بسبب مشهد في أحد أفلامهما، ففي عام 1967، وأثناء تصويرهما لمشاهد فيلم "كرامة زوجتي"، خشى صلاح ذو الفقار من أن يطلق زوجته الفنانة شادية فعليا، حيث كان من المقرر أن يطلق كلمة "أنت طالق" عليها، وهي في هذا الوقت كانت زوجته، وخشى من أن يحدث الطلاق بالفعل وهو ما حدث.