تعيش إمارة الشارقة فى دولة الإمارات عُرس عاصمة الثقافة الإسلامية والسياحة والصحافة العربية، التى حصدت أخيراً لقب العاصمة العالمية للكتاب..انطلق المهرجان العربى العالمى ليزين الأجواء وينير الدروب، حاملاً رسائله وأهدافه السامية معلناً بدء نسخته السادسة والثلاثين..بدأ معرض الشارقة الدولى للكتاب الذى يستمر 11 يوماً فى “إكسبو الشارقة”، رافعاً شعار “عالمٌ فى كتابي” ً لدورته ال 36، ليجسد قيمة الكتاب المعرفية بكونه الأصل فى الوصول إلى كل العلوم والمعارف فى العالم وتحويلها إلى نتاجات معرفية وعلمية وترفيهية، ويتنقل بينها وكأنه يتجاوز الزمان والمكان. أقف وأتأمل ذلك المشوار الطويل لأجد 36 عاماً من النجاحات المستمرة والتميّز بفضل رؤية ورعاية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، وتحديداً فى 18 إبريل 1979، حينما خاطب الشباب أثناء عرض مسرحية: “آن الأوان لوقف ثورة الكونكريت فى الدولة، لتحل محلها ثورة الثقافة”، فكان معرض الشارقة الدولى للكتاب الذى انطلقت دورته الأولى فى يناير 1982 من أول ملامح خطة إعادة الشباب إلى الاهتمام بمجالات الثقافة والمعرفة.
ومنذ اللحظة الأولى لانطلاقته رفض معرض الشارقة الدولى للكتاب أن يكون مجرد سوق كبير للكتاب، ليتحوّل إلى حالة ثقافية، تجمع القارئ والناشر والمثقف، فى رحاب الكتاب الذى يبقى نجم الحدث، ليطوف الجميع حوله، ويتلاقون من أجله بشكل خاص، يستوى فى ذلك قادمون من بلدان عربية، وآخرون من دول كثيرة حول العالم، بعد أن ذاع صيت الشارقة ومعرضها الذى صار وجهة للمتخصصين الباحثين عن مساحة تواصل مع الآخر، وكذلك للقراء العاديين الذين ينشدون جديد المعرفة، وحصاد المكتبات.
نسخة ثرية ومتميزة ومتفردة ومبدعة تنطلق هذا العام لتشهد مشاركة 1650 دار نشر من 60 دولة، تعرض أكثر من 1.5 مليون عنوان، ثلثها عناوين جديدة صدرت فى العام الجاري، وذلك على مساحة تصل إلى 14625 متراً مربعاً، إلى جانب ما يتضمنه من العديد من البرامج الحافلة بالفعاليات الثقافية التى تصل إلى 300 فعالية بحضور 158 ضيفاً، وبمشاركة 39 دولة، فيما تشتمل فعاليات “المقهى الثقافى ” على أكثر من 33 فاعلية بحضور 60 ضيفاً ومشاركة 11 دولة، ويستضيف البرنامج الفكرى 98 ضيفاً من 28 دولة، يقدمون 267 فعالية، ولا يمكن للإمارة الباسمة أن تحتفى بالكتاب دون أن يكون للطفل نصيب الأسد، فهاهو المعرض يولى عناية خاصة ببرنامج “فعاليات الطفل ليقدم 1632 فعالية بحضور 44 ضيفاً وبمشاركة 20 دولة، منها: بريطانيا، والكويت، وبولندا، والأردن، وأستراليا، ومولدوفا، وروسيا، والهند، والبحرين، وأيسلندا، ومنغوليا، وسوريا، وإيطاليا، وأوكرانيا.
“المستقبل” الجديد وعن جديد الدورة ال 36 يقول أحمد العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب، إنه مواكبة للإقبال المتزايد على الكتب الإلكترونية وشراءها عبر الإنترنت، نجحنا فى إقامة جناح كبير لدور النشر والمواقع الإلكترونية المتخصصة فى نشر وتوزيع الكتب الإلكترونية والصوتية، لذا جاءت منطقة “المستقبل” جديد المعرض هذا العام، التى خُصص لها جناح ضخم تشارك فيه مجموعة من الشركات المتخصصة فى مجال النشر والكتاب الإلكتروني.
ويضيف العامرى أن “منطقة المستقبل” جاءت لتلبية احتياجات القراء المهتمين بالكتب الإلكترونية، وخصوصاً طلبة المدارس والكليات والجامعات، إضافة إلى الكتب الصوتية التى تتوجه بشكل أساسى إلى الموظفين والأشخاص الذين يقضون أوقاتاً طويلة فى التنقل بمركباتهم الخاصة، حيث تتيح لهم مثل هذه الكتب الاستمتاع بها سمعياً أثناء انشغالهم فى أى وقت من اليوم.
وبسؤاله عن سر اهتمام الدورة 36 بالكتب الإلكترونية، أجاب بلا تردد: معرض الشارقة الدولى للكتاب كان يركز على الكتاب الورقى ويخصص له المساحة الأكبر والأهم، لكننا لا يمكن أن نتجاهل الإقبال المتزايد على الكتاب الإلكترونى أو الرقمى والكتاب الصوتي، خصوصا أن ما يهم المعرض بالدرجة الأساسية هو جذب أفراد المجتمع جميعا إلى عالم القراءة، للحصول على المعرفة والمتعة والفائدة، بغض النظر عن شكل الأداة التى تزودهم بهذه المعارف والعلوم، وتتميز منطقة”المستقبل” بإتاحتها الفرصة لزوار المعرض للتفاعل مع الشركات المشاركة والعارضة، والمنتجات القرائية التى تقدمها لهم من خلال مختلف الأدوات والوسائل والقنوات الإلكترونية والسمعية والبصرية، كما تسمح لهم بتجربة الخدمات بشكل مباشر، والحصول على العديد من العروض الترويجية والخصومات، تماشياً مع حرص المعرض على تسهيل الوصول إلى المعرفة وإتاحتها للجميع.
الدكتور محمد صابر عرب، وزير الثقافة المصرى الأسبق، هو الرجل الذى وقع عليه الاختيار ليكون شخصية العام الثقافية للدورة السادسة والثلاثين لمعرض الشارقة الدولى للكتاب. والحقيقة أن محمد صابر عرب، يعد من أهم قامات الثقافة العربية، حيث جمع بين التاريخ، والأدب، والفكر، وهو الرجل الذى يتمتع بنظرة تاريخية متعمقة تنادى بالمحافظة على ثوابت العروبة فى مواجهة التحديات المعاصرة، وعرف عنه الاهتمام بالقضايا العربية، والسعى إلى تطوير العمل الثقافى .
وعن سر اختياره يتحدث أحمد العامرى، رئيس هيئة الشارقة للكتاب قائلاً: إن الدكتور عرب قامة ثقافية ملهمة، ولطالما ارتبط بممارسة العمل الثقافى ، ودعم المثقفين، إلى جانب وجوده المتكرر فى معرض الشارقة الدولى للكتاب، وحرصه على التفاعل مع مشروع الشارقة الثقافى والمعرفى والفكري، واختياره جاء تقديراً لجهوده وإنجازاته الثقافى ة والتعليمية، ولإسهاماته فى إنجاز عشرات الأبحاث العلمية، وإصدار العديد من الكتب التى أثرت المكتبة العربية وشكلت إضافة قيّمة لها.
أقدم نسخة للقرآن الكريم
الدورة ال 36 من معرض الشارقة الدولى للكتاب وقع اختيارها على المملكة المتحدة لتكون ضيف الشرف لهذا العام، وربما كان هذا الاختيار محل جدل ونقاش، لكن هانا هندرسون، مدير عام برنامج التعاون الإبداعى بين المملكة المتحدة ودولة الإمارات قالت: إن هناك علاقات وثيقة تربط ما بين البلدين، وأن هذا الاختيار يأتى ضمن التعاون الإبداعى بينهما - والكلام على لسان هندرسون - لقد أعددنا برنامجاً حافلاً نشارك به فى المعرض، يتمثل فى عرض أقدم نسخة للقرآن الكريم أمام زوار المعرض، وهى تلك التى تعد واحدة من المقتنيات النادرة لجامعة برمنجهام البريطانية، ويشكل عرضها فى “الشارقة الدولى للكتاب” فرصة أمام الباحثين والشغوفين فى المعرفة، خصوصا أن المعرض ينظم حولها ندوة حوارية يشارك فيها متخصصون فى المخطوطات والتراث الإسلامي، هذا بالإضافة إلى أن هذا يعزز من أهمية تبادل الخبرات والتجارب بين حركة النشر فى الإمارات العربية المتحدة، والناشرين فى المملكة المتحدة،خاصة أن سوق صناعة الكتاب فى الإمارات يشهد تنامياً ملحوظاً، ويشكل إضافة نوعية للعاملين فى سوق النشر من البريطانيين.
دورات للناشرين
وفى خِضم فاعليات الدورة 36 لمعرض الشارقة الدولى للكتاب لا يمكن أن ننسى الدورة التدريبية للناشرين العرب التى نظمتها هيئة الشارقة للكتاب فى غرفة تجارة وصناعة الشارقة، التى قدمها لين جانتر الأكاديمى فى جامعة نيويورك، وسارة كريم النمر مديرة المبيعات فى دار نشر بنجوين فى الشرق الأوسط وشمالى إفريقيا، بهدف تعزيز معارف الناشرين وخبراتهم فى أبرز مستجدات سوق العمل فى مجال صناعة الكتاب على مستوى العالم، تلك الدورة التى تأتى بالتعاون مع جامعة نيويورك، التى ناقشت الإستراتيجيات الجديدة لطرق بيع الكتب، وطرق البيع الذكية، كما تطرقت إلى مستقبل الكتب الإلكترونية وحضورها فى سوق النشر الحديث، وقدمت إجابات حول آليات تطوير مهارات فرق العمل الخاصة بالناشرين لتحقيق تنافسية تتجاوز الإطار المحلى والإقليمى إلى العالمية، ولعل هذا ما أكد عليه سالم عمر سالم، مدير إدارة التسويق والمبيعات فى هيئة الشارقة للكتاب عندما قال: إننا دعمنا الناشرين من خلال منحهم فرصة اللقاء بأفضل الخبرات الأكاديمية فى قطاع النشر، واطلاعهم على المستجدات العالمية التى تدعم خبراتهم، وتوجّهها نحو تطوير وتوسيع أنشطتهم بما يضمن انتشاراً أوسع للكتاب من جهة، ويصب فى دعم مكانة الناشرين كونهم الواجهة الثقافة العربية البارزة فى المحافل الثقافية العالمية.
وفى الإطار نفسه، قالت سارة كريم النمر مديرة المبيعات دار نشر بنجوين فى الشرق الأوسط وشمالى إفريقيا: إن على الناشر العربى معرفة أنه جزء من العالم وليس من المنطقة العربية فقط، وهذا يعنى أن عليه الخروج من تعامله التقليدى ومواكبة الجديد، والاستفادة من الإمكانات الضخمة التى تتيحها له التقنية الحديثة، والبرامج التى يسير عليها القطاع الثقافى العالمي، ويحقق فيها مستويات وهوامش ربحية فاعلة.
ركن التواقيع
ولأن معرض الشارقة الدولى للكتاب قد عَودنا سنوياً على تقديم آلاف العناوين من الكتب الخيالية، التى تشمل الروايات والقصص والأعمال الأدبية الأخرى، والتى يركز من خلالها المعرض على قوة وأهمية الأدب كوسيلة فريدة تفتح للقراء نوافذ على عوالم وفضاءات فسيحة ومغامرات جديدة، فإن “ركن التواقيع” فى دورتة ال 36 يشهد أكثر من 200 حفل توقيع، لنخبة من الكتّاب الإماراتيين والعرب والأجانب، الذين يوقعون للجمهور مؤلفاتهم التى تتنوع بين الشعر، والنقد، والفلسفة، والتاريخ، والمسرح وغيرها من المواضيع الثقافى ة والمعرفية.
ويعتبر هذا الركن الذى يخصصه معرض الشارقة الدولى للكتاب فى القاعة الرئيسية، أحد أبرز أركان المعرض نظراً لاستقباله سنوياً باقة متميزة من ألمع الأدباء والكتّاب على المستوى المحلى والعربى سعياً منه إلى تفعيل التواصل بين الكتّاب، وجمهور القراء عبر لقاءات مباشرة تجمعهم على منصّته الرسمية المخصصة لهذا الغرض.
وتتزامن الدورة ال 36 من معرض الشارقة الدولى للكتاب مع افتتاح”مدينة الشارقة للنشر”، تلك التى أطلقها فى العام 2013 حاكم الشارقة، فى إطار إستراتيجى واضح، لتلبية حاجة قطاع النشر، وتوفير فرصة للناشر الإماراتى والعربى لفتح آفاق عالمية على مختلف أسواق الكتاب فى العالم، وإتاحة المجال للناشرين الدوليين لتحقيق حضورهم فى بلدان المنطقة، تلك المدينة التى ستلبى احتياجات الناشرين كافة، سواء شركات الطباعة، أم التوزيع، مروراً بخدمات التحرير، والمراجعة والتدقيق، وصولاً إلى الترجمة، والتصميم، والإخراج، ومجمل ما يتعلق عملية النشر..
وهكذا تكلل مشروع “مدينة الشارقة للنشر” بالنجاح، عندما عزز مكانة الإمارة لتصبح مركزاً عالمياً يستقطب المعنيين بقطاع النشر والطباعة بأنواعه كافة، ودعم الحركة الثقافى ة والبحث العلمى على المستوى المحلى والإقليمى والدولي، والتأكيد على أهمية الكتاب وأثره فى نشر الوعى والعلم بالمجتمع فى ظل التطور التقنى وتنوع مصادر المعرفة. خصوصا أن المدينة تمنح الناشرين فرصة الاستفادة من العوائد المستقبلية المتوقعة لهذا القطاع، حيث يستورد السوق الإقليمى للمنطقة كتباً ومواد ذات صلة بقيمة مليار دولار أمريكي، بمعدل نمو يصل إلى 11 فى المائة سنوياً، وتتوجه صناعة الكتاب مستقبلاً فى العالم العربى والشرق الأوسط إلى ما يقارب 950 مليون فرد من سكان المنطقة.