«العملات الإلكترونية» أو «العملات الرقمية « أو «العملات الافتراضية» أو «العملات التشفيرية» هى مسميات جديدة لعملات ظهرت فى السنوات الأخيرة تختلف فى خصائصها عن العملات التقليدية. ويوجد حاليا ما لا يقل عن 60 عُملة إلكترونية مُختلفة منها ما لا يقل عن ست عُملات يُمكن وصفها بالرئيسية، أشهرها على الإطلاق عملة البيتكوين (Bitcoin) التى أسّسها شخص اسمه الحركيّ عبر شبكات الإنترنت ساتوشى ناكاموتو خلال عام 2009م، وتوسّع تداول العملة مع ارتفاع قيمتها والطلب عليها فى الأعوام الثلاثة الماضية بشكل لافت للنظر بسبب تزايد الطلب عليها مع انتشار الأنباء عنها وتحقيق البعض مكاسب من المضاربة عليها ببيعها ثم شرائها بأسعار أغلى فى وقت قصير، وبسبب تأسيس بنوك الإنترنت الخاصة بها وأخيرا بسبب تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية التى تستخدمها كوسيلة للبيع والشراء. حظيت البيتكوين باهتمام إعلامى كبير فى هذه الأيام بسبب الارتفاع الكبير فى سعر صرفها مقابل الدولار، فقد شهد عام 2017م فقط زيادة فى قيمتها بمقدار أربعة أضعاف حتى بلغ سعر البيتكوين الواحدة خلال شهر أغسطس الماضى 4400 دولار، بعد أن كانت تعادل بضعة دولارات فقط قبل بضع سنوات، وهناك توقعات بأن يتراوح هذا السعر ما بين 20000 إلى 55000 دولار بحلول عام 2020م. فماذا عن خصائص هذه العملة ؟ وما الموقف الحكومى الرسمى فى الدول العربية من هذه العملة الإلكترونية؟ وهل بدأت تلك العملة تشق طريقها فى الأسواق العربية؟ فيما يتعلق بخصائص عملة البيتكوين، فهى عملة إلكترونية يمكن مقارنتها بالدولار أو اليورو، إلا أنها تختلف عن هذه العملات فى أنها تتداول عبر الإنترنت فقط من دون وجود مادى لها، أو هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها، كما أنها تستخدم كأى عملة أخرى للشراء عبر الإنترنت، أو تحويلها إلى العملات التقليدية. وبالإضافة إلى ما سبق تتميز هذه العملة بالخصائص التالية: حافظة بيتكوين تعتبر مثل الحساب البنكى شخصى سرى وآمن ويختلف عن حسب البنوك، ولكن الهدف واحد وهو حفظ الرصيد الشخصى من عملة البيتكوين. يستطيع المستخدم تبديل بيتكوين الموجودة لديه بعملات أخرى حقيقية. عملية التبديل هذه تتم بين المستخدمين أنفسهم الراغبين ببيع بيتكوين وشراء عملات حقيقية مقابلها أو العكس. تمتلك بيتكوين سعر صرف خاصا بها، لذلك يتم تداولها بالعديد من العملات العربية والأجنبية. وبصفة عامة تعمل البيتكوين كملاجئ آمنة شأنها شأن الملاجئ الآمنة التقليدية فى الأسواق كالذهب والين اليابانى والفرنك السويسري، التى يلجأ لها المستثمرون فى أوقات الغموض وفقدانهم لشهية المخاطرة. أما الموقف الحكومى الرسمى فى الدول العربية من هذه العملة الإلكترونية، فقد تباين موقف هذه الدول من تبنى العملات الإلكترونية بصفة عامة بين مؤيد ومعارض، ففى الجانب المؤيد، تأتى عدة دول عربية مثل الكويت وفلسطين والأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة. فقد أسست حكومة دبى العام الماضى المجلس العالمى للتعاملات الرقمية، وتعهدت بحفظ جميع وثائقها فى قاعدة بيانات سلسلة بلوكات (Block chain) بحلول العام 2020م. وتشهد دبى فى الوقت الراهن طرح أول عملة إلكترونية هى عمل “وان جرام كوين” Onegramcoin، كأول عملة مشفرة مدعومة بالذهب ومتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.كذلك تخطط سلطة النقد الفلسطينية لأن تصبح للأراضى الفلسطينية عملتها الرقمية الخاصة بها – على غرار البيتكوين - خلال خمس سنوات من العام الجاري، فى إجراء يهدف لتوفير الحماية ضد التدخل الإسرائيلى المحتمل. ومن الجدير بالذكر هنا أنه ليست للفلسطينيين عملة خاصة بهم ويستخدمون الدينار الأردنى واليورو والدولار والشيكل الإسرائيلى فى حياتهم اليومية. ومن ناحية أخرى، رفضت بعض الدول العربية تبنى العمل بالعملة الإلكترونية “البيتكوين”، فقد رفض البنك المركزيّ المصرى التعامل بعملة “البيتكوين”، لأنه لا يعترف إلاّ بالعملات الرسميّة التى يمكن مراقبتها ويمكن فرض رسوم على حركتها وتحويلاتها من مصر وإليها، وما يرتبط بذلك من إمكانية فرض ضرائب على ما تولّده تلك الأموال من أنشطة استثماريّة وتجاريّة، وهو ما لا يستطيع البنك المركزى القيام به فى التعامل مع “البيتكوين”. كما يسهل من خلال تتبّع العملات التقليديّة تتبّع تمويل النشاطات الإجراميّة والإرهابيّة، وفى حال إقرار التعامل بالبيتكوين، تفقد الدولة تلك السيطرة فى تتبع تلك الأنشطة. كذلك رفضت مؤسسة النقد العربى السعودى (ساما) تداول هذه العملة الإلكترونية بالمملكة العربية السعودية، وأنها لا تُعد عملة معتمدة داخل المملكة لما لتعاملاتها من عواقب سلبية مختلفة على المتعاملين. وخلاصة القول، إن انتشار العملة الإلكترونية “بيتكوين” فى الأسواق العربية سواء بشكل رسمى كما هو الحال فى كل من الأردنوالإماراتوالكويت ولبنان وتونس أو بشكل غير رسمى كما هو الحال فى كل من مصر والسعودية – يحتم على مسئولى السياسات النقدية العربية تقنين الأوضاع المترتبة على تبنى العمل بهذه العملة الإلكترونية التى فرضت نفسها كواقع إلكترونى حقيقى معاش على الأرض لا يفلح التعامل معه فقط من خلال القبول أو الرفض.