أمريكا وروسياوتركياوإيران تتقاسم مناطق النفوذ بمناطق النظام والمعارضة أحمد شميس: المناطق الآمنة بارقة أمل للسلام وسوريا لن تقسم
الاتفاق الذى أيدته الإدارة الأمريكية، اعتبره الكثيرون من الخبراء والمحللين تقسيما فعليا للدولة السورية لمناطق نفوذ تتقاسمها الدول الضامنة وأمريكا، على غرار اتفاقية سايكس بيكو التى وقعتها فرنسا وبريطانيا لتقسيم النفوذ بالوطن العربى منذ نحو قرن من الزمان. ويبقى السؤال ماذا بعد المناطق الآمنة؟ إلى أين تتجه سوريا؟ هل انتهت الحرب بهذا الاتفاق؟ أسئلة كثيرة طرحتها « الأهرام العربي» على مجموعة من الخبراء والمحللين السوريين والعرب. .فكانت هذه إجاباتهم: المفكر الكردى بير رستم، يرى أن القوى الدولية والإقليمية تسعى لإبقاء سوريا دولة فاشلة بحيث يتم تقاسم مناطق النفوذ بينها، وبالتالى التفاوض على الحصص والامتيازات مستقبلاً وذلك من خلال مفاوضات طويلة وشاقة، طبعاً بعد الاتفاق على هدنة بين تلك القوى السيادية وإجبار الميليشيات الخاضعة لها للامتثال لقرار وقف الحرب.. وأوضح ل»الأهرام العربي» أن خارطة توزيع القوى، بعد اتفاق المناطق الآمنة، تشير إلى أن مناطق الجزيرة الغنية بالنفط وكذلك بأهم وأعظم نهرين فى الشرق الأوسط - دجلة والفرات- خصوصا بعد تحرير الرقة من «داعش» ستكون خاضعة للنفوذ الأمريكي، بالمقابل سيكون النفوذ الروسى على طول الساحل السورى مع المركز دمشق، وأعتقد أن كلاً من محافظة إدلب وربما عفرين كذلك - أى المنطقة الكردية فى الشمال الغربي- بأن يضم للنفوذ الروسي. وأشار إلى أن نظام التقسيم يمارس عملياً على الأرض كما رأينا من خلال تقسيم هذه الجغرافيات الخاضعة لكل من الروس والأمريكان وبالتأكيد، فإن ضم «عفرين» للنفوذ الروسى سوف يطمئن الأتراك بأن «لا دولة كردية إنفصالية على الحدود» وربما يتم إرضاؤها -وكذلك زيادة فى التأكيد وبأن ليس هناك مشروع تقسيمي- من خلال إبقاء نفوذها؛ أى نفوذ تركيا على منطقة الشهباء «شمالى شرقى حلب» والتى تضم عددا من القرى التركمانية وبذلك يتم فصل المناطق الكردية والقضاء على أى حلم كردى فى إنشاء كيان أو دولة إنفصالية.. وأخيراً؛ تبقى منطقة الجنوب وقضية الدروز حيث هناك تسريبات تفيد بإنشاء إقليم لهم تحت النفوذ الإسرائيلى الأردني، أما ما سمى بالمناطق الآمنة كجيوب صغيرة داخل مناطق نفوذ (النظام) -أو بالأحرى الروسي- فسوف يتم التعامل معها عسكرياً فى وقت لاحق، ليتم تنظيفها وبالتالى يصبح إقليمياً علوياً أو على الأقل بصبغة علوية. وتوقع المفكر الكردى أن تصبح سوريا قريباً دولة فيدرالية اتحادية بعدد من الأقاليم؛ إقليم كردى وسنى فى الشمال والشرق تحت النفوذ الأمريكى، وإقليم علوى كردى سنى يمتد من عفرين إلى العاصمة دمشق، وآخر درزى فى الجنوب وتبقى لتركيا «مسمار جحا» فى منطقة الشهباء وربما تجبر السعودية على القبول بحصتها فى اليمن وهنا ستكون إيران أكبر الخاسرين وهذا جزء من الإستراتيجية الأمريكية والفريق السياسى الجديد لإدارة ترامب الذى بدأ بالتصعيد مع النظام الإيرانى والتى قد تكون بداية دحرجة «مشروع الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد» لداخل إيران نفسها وكذلك عدد آخر من دول المنطقة.. ولفت النظر إلى أنه لا يستبعد أبداً تغيير خرائط هذه الأقاليم فى ظل تغير المصالح والتوافقات المستقبلية بين تلك القوى التى تدير الصراع والميليشيات التابعة لها داخل الجغرافية السورية، لكن الشيء المؤكد؛ بأن سوريا الفاشية أنتهت إلى سوريا الفاشلة وليست «المفيدة» كما قالها رأس النظام! واعتبر أن التقسيم السابق يبقى على التوتر والصراع فى سوريا والمنطقة، حيث لو نظرنا للخارطة السكانية والجيوسياسية لهذه الأقاليم سنجد أن هناك مكونا يشكل الأغلبية مع عدد من مكونات القومية الطائفية، وبذلك تضمن القوى السيادية الجديدة للعالم؛ بأن منطقة الشرق ستبقى بؤرة للتوتر والصراعات الداخلية التى تجعلها مسيطرة على الجميع وتبقى كذلك على تدفق النفط باتجاه الغرب والسلاح والبارود باتجاه الشرق البائس.
تقسيم مبطن لسوريا الباحث اللبنانى فادى عاكوم يرى أن ما تم الاتفاق عليه بتسميته بالمناطق الآمنة بسوريا سيكون الحل الأمثل للجميع للخروج من عنق الزجاجة مع المحافظة على ماء الوجه، على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب». وقال ل«الأهرام العربي» إنه كان حريا بالمجتمعين امتلاك الشجاعة الكاملة للإعلان عن مناطق فيدرالية مقسمة حسب حدود معينة، إذ إن المناطق التى وردت فى الاتفاق، خصوصا مناطق حلب وإدلب وريف دمشق، شهدت خلال الشهور الماضية حركة تغيير سكانى ديموغرافى واضحة، بحيث تم نقل المواطنين السنة لمناطق سيطرة الميليشيات السنية، ونقل المواطنون الشيعة لمناطق الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، وبالتالى فإنه لم يكن من الممكن تنفيذ أو حتى التفكير بمسألة المناطق الآمنة دون عمليات النقل هذه التى كانت قد حصلت بمشاركة وموافقة ومباركة جميع المتقاتلين على الأرض. وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة المزيد من الاتفاقات الداخلية التى تؤمن الفرز الديموغرافى للسكان بحيث ستكون منطقة إدلب المنطقة الأساسية للجماعات المسلحة لاستكمال المشهد للوصول إلى الصورة الأخيرة التى ستبقى عليها سوريا لسنوات طويلة مقبلة حتى تتحقق مسألة المصالحة التى تحتاج للكثير من الوقت لإعادة اللحمة بين أبناء الوطن الواحد. واعتبر الباحث اللبنانى أن المناطق الآمنة ليست إلا كلمة لتلطيف التقسيم أو الحكم الفيدرالى الذى يبدو أنه الحل الأنسب للخروج من الازمة، علما أن الأطراف الاقليمية والدولية يبدو أنها تبارك هذا التوجه كونه يرضى أطماعها، فتركيا أمنت حدودها بهذه المناطق وأبقت على الفصائل الموالية لها بالقرب منها، والمملكة العربية السعودية أبقت على بعض الفصائل التابعة لها وكذلك قطر، أما الولاياتالمتحدة فحصتها محفوظة فى الشمال السورى من خلال القواعد العسكرية المنتشرة على طول الخط الممتد من كوبانى لعفرين بالإضافة لوضع اليد على مناطق نفطية ومناطق مصادر المياه، وروسيا استطاعت الإبقاء على هيمنتها على البحر الأبيض المتوسط وبعض مناطق البترول والغاز، أما إيران والتى تعتبر الرابح الأكبر فقد سيطرت على مقدرات الشعب والدولة واستطاعت الاستحواذ على الكثير من المقدرات الاقتصادية والانتشار فى طول البلاد وعرضها باستثمارات متنوعة لشركات الحرس الثورى وانتشار فعلى على الأرض من خلال ميليشيات تابعة للحرس.
سيربر نيتشا سورية محمد أرسلان القيادى بحزب الاتحاد الديمقراطى اعتبر أن المشروع المتفق عليه أمريكيا وروسياً وقبول تركياوإيرانوسوريا به، يعنى أن الأزمة السورية ستدخل مرحلة جديدة من الصراعات بين الفصائل الموجودة على الأرض والمؤتمرة بالقوى الإقليمية الدولية. خصوصاً أن الأماكن المقترحة للمناطق الآمنة وهى أربعة تثير الكثير من التساؤلات والشكوك فى إمكانية تطبيقها. وأشار إلى أن المناطق المقترحة هى إدلب وشمال حمص وجنوب سوريا والغوطة الشرقية، وهناك مقترح آخر أيضاً وهو الحسكة ودرعا (تحت الحماية الأمريكية)، الباب (تحت الحماية التركية)، حلب وحمص (تحت الحماية الروسية). وأوضح ل»الأهرام العربي» أنه أياً كانت المناطق المزمع انشاؤها علينا أن نعلم أن الحرب الأمنية والاستخباراتية ستكون فى الواجهة من الآن فصاعداً وكل طرف سيعمل على تشتيت أو إشعال الفتنة فى الطرف الآخر لتحجيمه والقضاء عليه فى نهاية المطاف، وهذا المتوقع فى ظل عدم وجود الثقة بين كل الأطراف المتنازعة الرئيسية منها أن كانت المعارضة أو النظام من جهة، وبين فصائل المعارضة بحد ذاتها أيضاً، خصوصا أن الاشتباكات الدائرة فى الغوطة الشرقية تثبت أن هذه الفصائل ستتجه للاشتباكات الداخلية وتصفية بعضها البعض. وقال إن المناطق الآمنة ستفرض على الفصائل العسكرية نزع الأسلحة والاهتمام بعملية الإعمار والإغاثة والأمور السياسية مع غياب تام لأى مشروع يحفظ الأمن للمدنيين الذين سيتم جلبهم إلى هذه المناطق وهو ما قد يفتح الباب لتكرار مجزرة سريبرنيتشا فى سوريا. حيث أدى فشل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى حماية سريبرنيتشا وضعف إلتزام المجتمع الدولى بحماية المناطق التى أعلنها «مناطق آمنة تحت حماية الأممالمتحدة» عام 1993 لوقوع أحد أكبر المجازر على يد القوات الصربية خلال حرب البوسنة والهرسك التى قامت بقتل أكثر من 7000 من أهل المدينة واغتصاب النساء والأطفال واحتلال «المنطقة الآمنة محذرا من احتمالية تكرار هذا السيناريو فى ظل الخلافات الكبيرة بين الأطراف التى قبلت بهذه المناطق معتبرا أن الاتفاقية حرب النفوذ والسيطرة على الجغرافيا أكثر مما هى لحماية المدنيين.
بارقة أمل من جانبه أعرب المعارض السورى د.أحمد شميس عن تفاؤله باتفاقية المناطق الآمنة الاتفاقية معتبرا أنها بارقة أمل وحبل نجاة من هذه الحرب المسعورة. وأوضح أنه لابد لكل شئ من نهاية، وما من حرب إلا وتوقفت، ولعل التعب الذى مر على الدول الغربية وحتى روسيا هو الذى ألجأهم للبحث عن طريقة لإنهاء تلك الحرب، فلم يجدو غير تلك الاتفاقية التى تنص على فرض مناطق آمنة على أكثر سوريا توقف القتال وتوقف حمام الدم الذى ما زال يسرى منذ ست سنوات. واستبعد المعارض السورى أن يكون الاتفاق بداية لتقسيم سوريا، معتبرا أن التقسيم أمر بعيد ولا يمكن أن يحدث حتى لو سلمنا جدلا أنه جرى وحصل تقسيم سوريا فهو استثنائى ، ولا بد أن تعود سوريا واحدة، لأن كل إقليم محتاج للآخر ولا يملك مقومات الدولة المستقلة من موارد وطاقات وغيرها، وكثير من الدول التى فرض عليها التقسيم فى مرحلة زمنية معينة قد عادت إلى وحدتها كألمانيا واليمن قبل أن يصل إليها الحقد الحوثى الشيعى.