كيف سينظر صناع الكوميديا بعد خمسين عاما أو مائة إلي هذه الفترة التي نعيشها ؟ كيف سيفسرون مثلا خلو الشوارع فجأة من رجال الأمن؟!.. أو فتح جميع السجون في وقت واحد بالمصادفة؟! أو تحول موقف الاعلاميين من مدح النظام والتغني بالديمقراطية وحرية التعبير إلي اتهام نفس النظام ونفس الأشخاص بالظلم والقهر والفساد؟ ! ثم تهافت العديد من مشجعي الكرة ومجانين الشهرة إلي الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ووقوفهم في نفس الصف مع أصحاب البرامج الاصلاحية والتاريخ الوطني والسياسي؟! إن فترة من تاريخ اسبانيا أقل أحداثا من تلك وأكثر عقلانية مما يجري الآن دفعت الكاتب داريوفو إلي تأليف مسرحية, كوميدية مستلهمة من أحداث التاريخ بعنوان ايزابيلا وثلاث سفن حربية ومحتال وهو النص الذي حوله المعد والمخرج اسلام امام إلي مسرحية السفينة والوحشين لتعرض علي المسرح العائم كإحدي التجارب الناضجة التي يقدمها مسرح الشباب.. المسرحية تتناول عصر الملك فرديناندو والملكة ايزابيلا, حيث سعي الرحال كريستوفر كولمبوس الي اكتشاف طريق جديد للهند يوفر الوقت والجهد وبالتالي يزيد من عدد القوافل البحرية بين الهند واسبانيا.. وتتحمس الملكة ايزابيلا للفكرة ولجاذبية المكتشف كولومبوس بينما زوجها الملك مشغول دائما بتحرير امارات اسبانيا من الاستعمار العربي ويقضي وقته في غزوات وحروب متلاحقة مكتفيا بتأجيل مشروع الطريق الجديد الي الهند وحتي يريح نفسه من عناء بحث الفكرة يحولها إلي مجلس الحكماء الذي هو في واقع الأمر مجلس من المسنين المحبطين والفشلة والمرتشين أيضا,وبعد جهد كبير ورشاوي وإتاوات ينجح كريستوفر في تجهيز سفن الرحلة ويسافر بعد أن شاب شعره ويتوه في البحر إلي أن يصل بالمصادفة لاكتشاف الأمريكتين.. وتمتلئ خزائن اسبانيا بالنقود والذهب.. وتنتعش الحالة الاقتصادية,لكن النفوس المريضة تصر علي الايقاع بين الملك فرديناندو والمكتشف كولمبوس. ويتهم الأخير بالخيانة والانحياز إلي بلده الأصلية ايطاليا ومحاولة الاستئثار بخيرات القارة الجديدة والإثراء غير المشروع ثم يحاكم بصورة هزلية ولا تستطيع الملكة ايزابيلا حضور جلسات المحاكمة أو الوقوف بجانب الرجل الذي تحمست له وآمنت بمشروعه.. وفي البداية تجدر الاشارة إلي قدرة اسلام امام علي قيادة مجموعة الممثلين الموهوبين واكتشاف مناطق التوهج في ادائهم التمثيلي فضلا عن قدرته هو كمعد ودراما تورج بارع علي تفجير الضحك من خلال الموقف المجنون وايضا من خلال الحركة علي المسرح. ولعله وفق تماما في استحضار حالة مشجعي الكرة عند كل رحلة يقوم بها الملك فرديناندو لاستعادة احدي مدن اسبانيا.. وكانت لفتة كوميدية بارعة عندما حمل بعض الممثلين صورة لاعب الكرة زين الدين زيدان اثناء رحلة الملك الإسباني لتحرير فرنسا ولاشك أن اسلام امام لم يكن لينجح في تقديم مثل هذا النوع من العروض الكوميدية لولا امكانيات مجموعة الممثلين البارعين رغم حداثة السن والتجربة وقد تألق رامي الطمباري في شخصية الملك فرديناندو المهووس باحلام البطولة والفروسية والغزوات العاطفية ايضا. كما ظهرت الامكانيات الكبيرة للممثل حمزة العيلي الذي لعب دور كريستوفر كولومبوس وهو يتمتع بحضور مسرحي كبير وأداء حركي مرن وترمومتر داخلي شديد الدقة يجعله يبتعد عن المبالغة رغم طبيعة العرض الأقرب إلي كوميديا الفارس وتألقت نفرتاري في شخصية الملكة ايزابيلا الرقيقة والزوجة النكدية في نفس الوقت ولعبت نورا عصمت دورا غريبا هو: عشيقة المثقفين وبراعتها انها أدت المطلوب من الدور بخفة ظل عالية دون الوقوع في فخ الابتذال.. كما لعبت سماح سليم دور المتفرجة ربة البيت التي تشاهد مسرحية كولمبوس وذهنها مشغول بتحضير الطعام قبل عودة زوجها من العمل وكانت موفقة في هذا الدور اكثر من دور الشيطانة الذي لا يناسب طبيعة ملامحها الهادئة ورغم صغر أدوار اسماعيل جمال ومحمود حسين فقد برزا بخفة ظليهما وأثبتا حضورهما ضمن ابطال العرض وتميز أمجد الحجار بتعليقاته المفاجئة وتجسيده لشخصية المثقف الإمعة الذي يدخن البايب ويتحدث بجدية ثم لا يقول شيئا في النهاية ونجح مصطفي سعيد في دور الجلاد ودور الشاب المكبوت عاطفيا الحالم بدور النجم الرومانسي الجذاب الذي يظهر في مشاهد التقبيل كما لفت محمد سلامة الانتباه في شخصية القاضي الفاسد الذي يجلس مقرفصا داخل كوخ كلب بدلا من منصة القضاء.. اما باقي الممثلين فلديهم امكانيات كبيرة نأمل أن تظهر أكثر مع العروض القادمة.. خاصة في ظل وجود فنان شاب متحمس علي رأس ادارة مسرح الشباب هو شادي سرور ومجموعة متحابة من العاملين.. وفي ظل وجود السيد محمد علي رئيسا للبيت الفني وهو في الأصل كاتب مسرحي مجدد عاني هو نفسه من التعتيم وكبت الحرية وهو يؤمن كما صرح لنا بضرورة تشجيع وتدعيم التجارب الشابة ومنحها الفرصة كاملة.