آخرة التمادي!! الحق وصاحب الحق.. علاقة أزلية أزل الزمان, تنتشر في ثنايا أدق تفاصيل الحياة, تنبض بإلحاح شديد ما دام الناس أحياء;يضيع الحق فيتسرب من بين الأكف تسرب الماء, ثم ما يلبث وأن يعود, ولابد في ذات يوم وأن يعود,ليؤكد في كل لحظة وربما من قبل أن يشرع عقرب الثواني ذاته في الترحال من المحطة الزمنية إلي التي تليها أن عهد السماء إلي العباد لم يفتر أبدا سنة من نوم, وأن ميزان العدل قائم قائم في قبضة مليك مقتدر! وما بين سعي صاحب الحق من أجل الحصول علي حقه, وبين(تماديه) في ذلك, خيط رفيع جدا, باطنه العدل وظاهره من قبله الإفساد, إلي تلك الدرجة التي ربما يفقد معها صاحب الحق نفسه حقه.. وتلك معادلة صعبة لذوي الألباب! والثورة حدث.. حدث جلل, شئنا نحن ذلك أم أبينا, حدث أعتقد أن أحدا لم يستوعبه بعد أو يقدره حق قدره,وبذكرها نحن لسنا هنا بصدد الحديث حول أسبابها; ذلك لأن في هذا الخوض اجترار للماضي فيما لا يضر ولا ينفع, وإنما ما يعنينا في المقام الأول والأخير هو سعي البعض في غمرة الحالة الثورية إلي( التمادي) دون إدراك لتبعات هذا التمادي علي النمط المجتمعي بعد ذلك في المستقبل البعيد أو في المستقبل غير المنظور, وهذا هو عين ما سقط فيه النظام البائد لمن يذكرون! ضغط, ضغط, ضغط.. فتولد الانفجار!! ولعلها نظرية علمية فذة أعتقد أنها قد ارتقت بالتقادم إلي مستوي القاعدة الراسخة التي لا تحتمل شكا أو تأويلا, تلك القائلة بأن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه هكذا تعلمناها في المدارس أيام الصبا, ولعل المرء لينظر إليها اليوم نظرة أكثر شمولا لم تعد معها هذه النظرية حكرا علي علم الفيزياء وحده, وإنما هي قابلة للتطبيق في شتي مناحي الحياة علي مستوي تعاملات الأفراد والمجتمعات علي حد سواء, ولعل العبث بميزان هذه المعادلة الطبيعية البحتة هو بمثابة عبث لابد وأن يستتبعه خلل في الكون نفسه حتي ولو كان ذلك علي مستوي الانفعالات الحياتية البسيطة! ولقد انفعل المجتمع أكثر من اللازم ولا يلومنه أحد علي ذلك في أعقاب الثورة, إلي الدرجة التي باتت تستوجب شيئا من وقفة مع النفس, وطرح لأسئلة غير انفعالية تشنجية تحول بين المرء والصواب ثم بين الحق وصاحبه! تاريخ( الشرطة السرية) علي وجه التحديد وليس الشرطة بشكل عامذ بشكل أو بآخر من فكر المستعمر وليس من فكر أبناء الوطن الواحد.. تلك حقيقة شديدة السطوع في سماء المشهد لا تحتمل انكارا, ولقد تسببت هذه الأساليب في معظم ما تجرعناه من مآسي, وأججت كل ما نشاهده من غليان حتي هذه اللحظة; ذلك لأنها أججت روح الانتقام رد الفعل المساوي في المقدار المضاد في الاتجاه والدليل أن ما شهدته أقسام الشرطة في المناطق العشوائية ومقار أمن الدولة لم تشهده أقسام الشرطة في الأحياء الراقية أو مقار النيابات مثلا; وذلك لانعدام روح الانتقام, ولكن.. أليس يخطر ببال أحد اليوم قبل غد أن التمادي في الانتقام قد يتولد عنه رغبة في الانتقام المضاد فندور جمعيا في دوائر ما أنزل بها الله من سلطان: انتقام المواطنين من الشرطة, ثم انتقام الشرطة من المواطنين الذين انتقموا من الشرطة, ثم انتقام المواطنين من الشرطة التي انتقمت من المواطنين الذين انتقموا من الشرطة.. وهكذا دواليك في عداء لن ينتهي!! الحياة الحزبية في مصر.. نموذجا للفشل الذريع; فليست هناك أحزابا بالمفهوم المتعارف عليه, لكل شرعة ومنهاجا,وإنما تلبيس طواقي ز ز ز علم اليقين, ومن يجادل في هذا فهو إما مخادع وإما قادم من كوكب آخر أو مغيب علي طريقة ماري أنطوانيت ز!!, ولكن.. أليس من الشطط في شيء أن نحتسب هؤلاء ذوي فكر حقيقي وأيديولوجيا تستوجب الحذر والتطهير, وهم الذين لا يحملون سوي موهبة التصفيق ورايات التأييد المطلق.. قل لي بالله عليك ما هو تعريف منهج الحزب الوطني الديمقراطي وما هو نوع الاختلاف بينه وبين أي حزب آخر تعرفه إلي الدرجة التي تستوجب الخوف من وجوده أو حتي من عدم وجوده ؟ ثم قل لي عن مردود( التمادي) في مطاردة كل من حملوا بطاقة عضويته علي المدي البعيد!! إن المردود الوحيد هو مزيد من إفساد الحياة الحزبية, وتخويف الناس من الانتماء لأي حزب في المستقبل خيفة أن تقع الفأس في الرأس مرة أخري فيقوم الحزبيون الجدد بالتنكيل بالقدامي الذين نكلوا بالأقدمين.. وهكذا دواليك في عداء لن ينتهي!! حتي منصب رئيس الجمهورية قد ز ز!! نفسه أن يتبوأ هذا المنصب وهو الذي رأي بأم عينه سابقه وهو المسجي علي فراش المرض داخل قفص الاتهام; وأي رئيس هذا الذي سيخلو حكمه من أخطاء كبرت أو صغرت ؟ وأي مسيطر هذا الذي سيتمكن من إحكام قبضته علي كل شيء خيفة أن يلقي ذات المصير ؟ وأي مراهن هذا الذي يستطيع أن يراهن علي هدوء ميدان التحرير بعد اليوم لأبسط الدوافع والأسباب!! فأي بديل ديكتاتوري هذا الذي نمهد أنفسنا للعيش في رحابه علي هذا النحو ونحن الذين(نتمادي) في تقفيل مخارج الديمقراطية ؟ إن البديل المتاح الوحيد علي هذا النحو هو القمع الشديد حتي لا يتكرر مشهد الانتقام, وذبح كل القطط ز ز الفوضي وما أدراك بمغبة الفوز بهذا اللقب!! اللهم اكفنا شر التمادي,وسنين التمادي, وآخرة التمادي!! آمين!! المزيد من أعمدة أشرف عبد المنعم