كتب - د.حامد عبد الرحيم عيد مستشار ثقافي أسبق بسفارة مصر بالمغرب: سجل المؤرخون للصوفية المغاربة رحلات هامة قاموا بها الي مصر حيث تعددت بشأنها الأسباب التي حملتهم للانتقال للديار المصرية والإقامة بها. منها: القول بأن مصر كانت تضم مراكز للإشعاع الحضاري والنشاط الثقافي, ومنها ما قيل ان مصر أثناء فترة الحج كان يشع من منازل الحجاج فيها جو من الروحانية, وقيل أيضا إن مدينة الاسكندرية التي كانت تعد رباطا اسلاميا كبيرا من اقام به كان له أجر المجاهد, وأخيرا قيل: إن مدينة الاسكندرية والتي ظلت مدينة سنية كانت تلبي حاجات الصوفية المغاربة فتغريهم بالمقام بها.. وقد ارتفع عدد الصوفية المغاربة الوافدين علي مصر بين أواخر القرن السادي وأواخر القرن السابع الهجريين, وظهر منهم الشيخ عبد الرازق الجزولي وأصله من المصامدة واستقر بالاسكندرية ومات بها عام592 ه, والشيخ عبد الرحيم القنائي( عبد الرحيم القناوي) وأصله من ترغاي بإقليم سبتة حيث انتقل الي الحجاز ومنها الي صعيد مصر واستقر بقنا للتدريس والإرشاد وتوفي عام592 ه, والشيخ أبو الحسن الشاذلي الذي يعود نسبه الي قبيلة غمارة بسبتة استقر بالأسكندرية ايضا وتوفي عام656 ه وهو في طريقه للحج, والشيخ أحمد البدوي الذي ولد بفاس وانتقل الي المشرق متولا حتي انتهي به المقام في طنطا عاملا بالدعوة الي الله( د.طه عبد الرحمن).. ولم تنقطع أبدا أسباب التواصل الثقافي بين مصر والمغرب بل كانت هناك أدوات اخري أدت الي استمرار هذا التواصل منها تلك المناقشات, والمحاورات العلمية التي أجراها الرحالة المغاربة الذين أتوا الي مصر وقصدوا مجالسها العلمية كما كانت هناك في نفس الوقت عمليات تبادل للأفكار والعلوم عبر أولئك الذاهبين الآيبين بين البلدين بالإضافة الي أن الجو الأساسي لهذا التواصل امتد علي أعمدة من الكلمة المكتوبة وذلك من خلال الكتب التي تم تبادلها بين الطرفين حيث تحمل العلماء أو الرحالة القادمون من المغرب الي مصر مسئولية تنفيذ مهمة ضرورية وهي شراء الكتب العلمية وحملها في طريق العودة, حتي انه يمكن القول: ان قدوم موكب الحجيج المغربي الي مصر كان مناسبة مهمة لانعاش سوق الكتاب بها, ويبدو ان حركة نقل الكتب من مصر الي المغرب كانت تتم علي نطاق واسع حتي ان بعض العلماء المغاربة تمكنوا من اقتناء مكتبات كبيرة خلال هذه الحركة( تاريخ العلاقات الثقافية بين مصر والمغرب يونان لبيب رزق ومحمد مزين). لم يقف التبادل الثقافي الي هذا الحد بل تعداه الي ما قام به بعض العلماء المغاربة من إسهام في حركة التأليف في مصر وقد وجدت كتب هؤلاء صدي مهم في المغرب, من هؤلاء( شهاب الدين المقري) الذي ألف أغلب كتبه, أو أتمها في مصر مثل كتابه( اتحاف المعزم المغربي بتكميل شرح الصغري) وهو في علم الكلام وقد بدأه في المغرب وأتمه في الاسكندرية, أو مثل كتابه المشهور( نفح الطيب) الذي بدأه وانتهي منه في القاهرة أضف الي ذلك عددا اخر من الكتب الفها أو أتمها في العاصمة المصرية مثل كتاب( فتح المتعال في مدح النعال) ومثل كتاب( اضاءة الدجنة في عقائد أهله السنة), كما ان هناك دلائل علي رواج سوق الكتاب المصري في المغرب ذلك أن العديد من المؤلفات التي كتبت في مصر أو عثر عليها في خزائنها نسخت عن طريق علماء ونساخ مغاربة وأخدت سبيلها إلي بلاد المغرب أو المكتبات العالمية.