تكابد موسكو تبعات' ارتباك' تقديراتها للثورة في ليبيا في نفس الوقت الذي تحاول فيه تصفية حساباتها مع الغرب وحجز نصيبها في'الكعكة الليبية'. وهاهو الرئيس ميدفيديف يطالب بوقف اطلاق النار والتحول الي الحوار معترفا للقذافي بقدراته بعد ان كانت موسكو في الامس القريب تعتبره' جثة سياسية هامدة في اول رد فعل رسمي تجاه آخر مجريات الاحداث في ليبيا ونجاح المعارضة في اقتحام العاصمة طرابلس باغتت موسكو الاوساط المحلية والعالمية بموقف مغاير تمثل فيما قاله الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف حول ان بلاده معنية بوقف اطلاق النار والتحول نحو بدء المفاوضات بين القوي السياسية هناك. وقال ميدفيديف في ختام مباحثاته مع كيم جونج ايل زعيم كوريا الشمالية انه وبالرغم مما حققته قوي الانتفاضة من نجاح في هجومها علي طرابلس فان القذافي والقوي الموالية له لا يزالون يملكون قدرا من النفوذ والتاثير ووفرا من القدرات العسكرية' مشيرا الي انه' اذا ما توافرت لدي' قوي الانتفاضة' الارادة والقوي اللازمة لتوحيد البلاد علي اسس ديمقراطية جديدة فان بلاده ستنظر بالطبع الي اقامة العلاقات المناسبة معها'. ومن اللافت بهذا الصدد ان ميدفيديف اغفل الكثير من رصيد المعارضة في معرض تقديره للاوضاع في ليبيا التي قال' انها تظل كما كانت وان السلطة هناك لا تزال مزدوجة' مشيرا الي ان انتصارات' المنتفضين' في طرابلس لا تعني ان القدرات العسكرية للموالين للقذافي قد نفدت' فيما دعا كل البلدان الي الالتزام بقراري مجلس الامن1970 و1973 والامتناع عن التدخل في الشئون الداخلية الليبية وتقديم الدعم اللازم لحماية المدنيين ولعملية اعادة بناء مؤسسات السلطة الشرعية. وكان سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية اشار في تصريحات له خلال زيارته للسلفادور الي ان بلاده طالما ارادت ان يتم حل الازمة الليبية في اسرع وقت ممكن فيما كشف عن ان هذا الحل كان من الممكن ان يتم قبل ذلك بكثير لولا ان العقيد القذافي اصر وحتي اللحظات الاخيرة علي موقفه من ضرورة ان يكون الاتفاق معه فضلا عن ان عمليات حلف الناتو حالت دون التوصل الي حل سريع للازمة الليبية. وفي محاولة لابقاء الباب مفتوحا امام الاتصال مع قوي المعارضة حماية لمصالح موسكو الاقتصادية اعلن ميخائيل مارجيلوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي في افريقيا تأكيد ان مسئولي المجلس الوطني الانتقالي اعربوا خلال زيارته الاخيرة لبنغازي في يونيو الماضي عن حرصهم علي تمسكهم بعلاقات الصداقة والتعاون مع روسيا في مجال الاعمال. غير ان مارجيلوف عاد ليؤكد ان استيلاء الثوار علي العاصمة الليبية لا يعني تسوية الازمة الليبية بشكل عام, مشيرا الي انها ذات طابع سياسي ولا يمكن التوصل اليها بالوسائل العسكرية, وحسب وهو ما يقترب مما قاله ميدفيديف حول ضرورة الحوار بين مختلف القوي السياسية. علي ان الكثيرين من المراقبين يذكرون تلكؤ موسكو تجاه الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا وتأكيدها لدي استقباله في العاصمة الروسية انها لن تعترف به ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الليبي لانه لا يجمع بين صفوفه كل القوي الليبية المعارضة. ويذكرون ايضا ان فلاديمير بوتين اتخذ موقفا يصب في مصلحة القذافي حين اتهم البلدان الغربية بتجاوز الشرعية الدولية واعتبر تدخل الناتو واستخدام القوة دون تخويل من مجلس الامن حربا صليبية ضد ليبيا وكذلك اشارته الي ان السبب الرئيسي لاتخاذ الغرب لمثل هذه الاساليب يعود الي ما تملكه ليبيا من احتياطيات هائلة من النفط والغاز, وقال ان احدا لم يمنح ايا من هذه البلدان حق محاولة اغتيال القذافي.وذلك موقف يعيد الي الاذهان خلافاته مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف عقب التصويت علي قرار مجلس الامن الدولي رقم1973 والذي اجاز استخدام القوة لفرض منطقة الحظر الجوي وكذلك اقالة ميدفيديف لسفيره في ليبيا بسبب انتقاداته لسياسات الكرملين وتأييده لمواقف بوتين. كما يذكر المراقبون ما قاله بوتين خلال زيارته للدنمارك حول ان احدا لم يحاكم القذافي ولم يثبت اي جريمة اقترفها فيما سبق واشار الي ضرورة المحافظة علي المصالح الاقتصادية التي تربط البلدين في اشارة غير مباشرة الي ما تتكبده روسيا من خسائر قدرتها المصادر الرسمية الرسمية بما يقرب من14 مليار دولار نتيجة وقف تنفيذ العقود والاتفاقيات الموقعة حول صادرات السلاح الروسية ونشاط الشركات النفطية ومؤسسة السكك الحديدية الروسية في ليبيا. وثمة من يقول ان مثل هذه التصريحات والمواقف تدفع الي الاعتقاد في ان موسكو وكأنما لا تريد الاعتراف بهزيمة حليفها وهو ما عكسته ايضا' احتفالات' ماكيناتها الدعائية ب'السقطة' الاعلامية للثوار ممن اعلنوا اعتقال نجلي القذافي. ولذا فقد حرص التليفزيون الروسي بمختلف قنواته علي بث مشاهد مظاهرة سيف القذافي في منطقة باب العزيزية مقترنة بتصريحات ايليومجينوف رئيس جمهورية قلميقيا السابق ورئيس الاتحاد الدولي للشطرنج التي كشف فيها عن ان القذافي اتصل به وابلغه انه موجود في طرابلس ولا ينوي مغادرة ليبيا, مؤكدا ان صوت القذافي عكس ما يتمتع به من حيوية ونشاط!. وحتي لا تبدو موسكو وقد سقطت في شرك الانحياز لزعيم يلفظ انفاسه الاخيرة خرج مارجيلوف ليقول ان موسكو تعلن عن انها لن تستقبل القذافي في حال طلبه اللجوء اليها وهو تصريح قديم..قديم سبق أن اعلنه وزير الخارجية لافروف في يوليو الماضي حين قال ان موسكو اعلنت اكثر من مرة انها لن تستقبل القذافي في حال طلبه اللجوء اليها.وكانت موسكو اعلنت ايضا عن تجميد اموال القذافي وعدد من اعضاء عائلته وفريقه الحاكم وحظر دخول اي منهم الي روسيا. فكيف لموسكو بعد كل ذلك العودة الي تعداد' مآثر' القذافي والحديث عن ضرورة الحوار معه ؟!!!.لكن واحقاقا للحق نقول ان ميدفيديف' امسك بالعصا من منتصفها' حين قال انه علي استعداد للاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي في حال اثبات قدرته علي الامساك بمقاليد السلطة في كل البلاد وهو موقف براجماتي ثمة من يصفه بأوصاف اخري قد يجدها الباحث بين دفتي كتاب الامير لميكيافيللي.