صوته عبارة عن خليط من أصوات القراء العظام أمثال محمد رفعت ومصطفي اسماعيل ومحمود خليل الحصري, يمتاز بقوة الأداء واتقان الأحكام, إذا سمعته يعبر بك من الأرض الي عنان السماء عبر مقامات القرار والجواب في التلاوة. إنه الشيخ راغب مصطفي غلوش صاحب مدرسة خاصة في تلاوة القرآن الكريم لقب في بدء حياته بالشاويش المقريء وذلك لأنه عرف قارئا في أثناء خدمته العسكرية بالأمن المركزي. ولد القاريء الشيخ راغب مصطفي غلوش قاريء المسجد الدسوقي بدسوق, في 5 يوليو 1938 بقرية (برما) بمحافظة الغربية, أراد والده أن يلحقه بالتعليم الأساسي ليكون موظفا كبيرا, ولكن تدبير الأمور بيد الخالق جلت قدرته, فالكتاتيب كثيرة بالقرية والإقبال عليها ملحوظ وملموس, وكان الناس في ذلك الوقت يهتمون بتحفيظ أبنائهم القرآن ليكونوا علماء بالأزهر الشريف لأن كلمة (عالم) لا تطلق في نظرهم إلا علي رجل الدين وخاصة إمام المسجد الذي يلقي خطبة الجمعة, ولحكمة لا يعلمها إلا الله أشار أحد الأقارب علي الحاج مصطفي غلوش بأن يأخذ ولده راغب ويسلمه لأحد المشايخ المحفظين لكي يحفظه القران ولأن النازع الديني موجود بقوة في قلوب أهل الريف جعله يوافق علي هذه الفكرة وصرح لإبنه (راغب) بالذهاب الي الكتاب بعد انتهاء اليوم الدراسي ولكن الموهبة أعلنت عن نفسها فكان الطفل الصغير ابن الثامنة حديث أهل القرية وخاصة المحفظين والحفظة. وكان لجمال صوته الأثر الواضح في شدة اهتمام (سيدنا) به وإسداء النصح له والمراقبة الدائمة لأنه توسم به الخير وتوقع له مستقبلا زاهرا بين مشاهير القراء وكان ذلك سببا في تفوق الطفل راغب في حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة. وبعد حفظه التام للقرآن جوده بالأحكام علي يد الشيخ عبد الغني الشرقاوي بقريته برما. في الرابعة عشرة من عمره ذاع صيته بالقري المجاورة حتي وصل مدينة طنطا معقل العلماء. توالت الدعوات وانهالت عليه من القري والمدن القريبة من قريته في شهر رمضان عام 1953 بقرية (محلة القصب) بمحافظة كفر الشيخ, وكان عمره (15سنة), كانت المهمة شديدة الصعوبة في البداية. كيف يحتل المكانة المرموقة وسط جو يموج بمنافسات ضارية بين جهابذة تربعوا علي عرش التلاوة في هذه البقعة بوسط الدلتا والوجه البحري وخاصة محافظة الغربية التي نشأ فيها الشيخ راغب في ظل وجود عملاقين علي مقربة منه الأول الشيخ مصطفي إسماعيل, والثاني الشيخ محمود خليل الحصري, وكل منهما نشأ في إحدي قري طنطا, والتي إحدي قراها قرية برما منشأ الشيخ راغب. لم يعبأ القاريء الشاب والفتي الطموح بما يسمع وما يري من احتدام للمنافسة التي أشعل فتيلها الشيخ مصطفي إسماعيل القاريء الفذ فكان لزاما علي الشيخ راغب أن يبحث عن العوامل التي تساعده علي الوقوف علي أرض صلبة وقواعد متينة من خلالها يستطيع أن يلبي دعوة ربما يصادفه فيها واحد من هؤلاء, ففطن الي أن المجد لا يقبل من تلقاء نفسه وإنما يجب علي طالبه أن يسعي إليه بالجهد والعرق والمثابرة فبحث الشيخ راغب عن شيخ متين في علوم القرآن ليتلقي عليه علمي التجويد والقراءات فاتجه الي قبلة العلم القرآني بمدينة طنطا, والتحق بمعهد القراءات بالمسجد الأحمدي وتولاه بالرعاية المرحوم الشيخ إبراهيم الطبليهي. استطاع القاريء الشاب راغب مصطفي غلوش أن يصنع له مجدا وهو صغير قبل أن يبلغ الثامنة عشرة حتي جاء حق الدفاع عن الوطن وطلب للتجنيد وأداء الخدمة الإلزامية (الوطنية) والتي لابد عنها ولامفر منها.. تقدم للتجنيد عام 1958م وكانت سنه عشرين عاما تم توزيعه علي مركز تدريب بلوكات الأمن المركزي بالدراسة. يقول الشيخ راغب: وفي سنة 1965م وبعد التحاقي بالإذاعة بثلاث سنوات جاءني خطاب بموعد التسجيل باستوديو الإذاعة بالشريفين وبالخطاب تحديد الموعد من 12 ظهرا الي الواحدة. في اليوم نفسه ارتبطت بمأتم بالمنوفية, فذهبت الي الإذاعة قبل موعدي بساعة كاملة حتي أتمكن من الانتهاء من التسجيل بسرعة نظرا لارتباطي بمأتم ففوجئت بالمرحوم الشيخ محمد صديق المنشاوي يدخل الاستوديو قبل أن أجلس للتسجيل لأنه كان حاجزا في الوقت نفسه قبلي بساعة فقال لي حجزك الساعة كم ياشيخ راغب؟ قلت له بعد ساعة, ولكن ظروفي كذا وكذا. فقال للمسئول عن التسجيل: نظرا لظروف الشيخ راغب أرجو تأجيل حجزي الي غد أو بعد غد ودعا لي بالتوفيق في التسجيل وفي السهرة. وانصرف الرجل مبتسما بعد ما ترك لي وقته كاملا.