سؤال لماذا التعاطف الغربي مع إسرائيل سؤال قديم حديث. وهو مازال قابلا لأن يعاد طرحه اليوم وغدا وفي كل مرة يتنكر فيها الغرب لقيم العدالة والانصاف وحقوق الانسان التي تمثل احد ابرز أنساقه الاخلاقية واحد اكبر تناقضاته في آن معا. بل إن ما يبديه الغرب تجاه الممارسات الاسرائيلية غير الانسانية انما يتجاوز في الواقع مجرد التعاطف ليشمل الانحياز والتأييد والتغطية والتستر والحماية والموقف الغربي من جريمة اغتيال المبحوح القيادي في حركة حماس والتي شهدتها مدينة دبي مؤخرا يؤكد مرة اخري هذه المعاني. فعلي الرغم من فضيحة استخدام من ارتكبوا هذه الجريمة جوازات سفر اوروبية فإن ردود فعل الدول الغربية المعنية تثير التأمل, إذ يبدو ان هذه الدول تشعر بالاحراج لا الغضب وبالخجل لا المهانة. تقول أوساط اسرائيلية مقربة من وزير الخارجية الاسرائيلي ليبرمان ان جهات اوروبية قد ابلغتهم ب أننا لم نكن لنتابع موضوعات جوازات السفر لولا الضغوط التي تمارسها حكومة دبي وتهديدها بوقف منح تأشيرات دخول للمواطنين الأوروبيين إن هذه العبارة الدالة الفاضحة تحتاج مرة اخري لأن نعيد طرح السؤال اياه فالبحث عن أسباب التعاطف الغربي مع اسرائيل مازال جديرا بالانشغال لان كل سبب يمكننا اكتشافه واختبار صحته هو في الوقت ذاته سبب لهم التجاهل الغربي للقضايا العربية. أسباب عدة يمكن طرحها للنقاش لكي نختبر مدي صحتها في تفسير التعاطف الغربي مع اسرائيل, ولكي نعرف, ربما ما اذا كان بوسعنا التغيير في حركة هذه الاسباب ام لا والدور الذي يجب ان نمارسه في هذا الخصوص. السبب الاول هو عقدة الذنب التي يشعر بها الغرب نتيجة لما تعرض له اليهود من اضطهاد وملاحقة وإبادة ابان الحرب العالمية الثانية, وهذه حقائق تاريخية يجب ان يندي لها الجبين الانساني بصرف النظر عن اية ظروف او ملابسات احاطت بها او مبالغات تنسج حولها. يبدو هذا السبب اشد وضوحا في دولة مثل المانيا التي ظلت حتي وقت قريب تدفع تعويضات مالية كبيرة لإسرائيل بسبب ما تعرض له اليهود المقيمون فيها في اثناء حقبة الحكم النازي. والتصريحات الالمانية الاخيرة عن الالتزام بحماية اسرائيل تؤكد ان عقدة الشعور بالذنب تجاه اليهود مازالت تتحكم في العقل السياسي الالماني بعد سبعة عقود من وقوع هذه المأساة. لكن حين يتأمل المرء عقدة الشعور بالذنب التاريخي في الضمير الغربي تجاه اسرائيل سرعان ما يكتشف ملاحظتين علي درجة كبيرة من الوضوح والاهمية. الملاحظة الاولي ان الضمير الغربي لم يشعر بعقدة الذنب نفسها ازاء ما تعرض له الفلسطينيون علي مدي عقود طويلة ومازالوا من اعمال الاضطهاد والتشريد والقتل التي بلغت في بعض الاحيان حد ارتكاب جرائم ضد الانسانية, بل وما يرقي الي جرائم الابادة. وحتي في الحالات التي بدأ يصحو فيها ضمير قطاعات من المجتمع الغربي بسبب ما يتعرض له الفلسطينيون فإن هذه الصحوة لم تتجاوز حد المظاهرات وتنظيم بعض مبادرات التعاطف مع الفلسطينيين مثلما حدث في قوافل المساعدات الانسانية الي غزة ولم يصل الامر يوما الي حد التأثير في السياسات والمواقف الحكومية الغربية تجاه اسرائيل هل معني ذلك ان الضمير الغربي يعاني من الانفصام والازدواجية؟ أم انه قد وزع ردود فعله في نفاق سياسي فأعطي للفلسطينيين الاقوال والتصريحات واختص اسرائيل بالمواقف والافعال؟ أما الملاحظة الثانية فهي ان الشعور بعقدة الذنب التاريخي تجاه ما تعرض له اليهود خلال الحرب العالمية الثانية وان بدا سببا مفهوما لتفسير التعاطف الالماني مثلا مع اسرائيل باعتبارها الدولة المسئولة عن المعاناة الاكبر لليهود فإن الولاياتالمتحدةالامريكية التي لم تتورط تاريخيا في اضطهاد اليهود هي الاكثر انحيازا لاسرائيل ومساندة لها وتسترا عليها, والمسئولة امام التاريخ والضمير الانساني عن تعطيل كل مشاريع قرارات الاممالمتحدة لادانة اسرائيل عما ارتكبته من جرائم ومجازر بحق الفلسطينيين والعرب منذ تاريخ اعلان قيام الدولة اليهودية وحتي مذابح غزة في العام الماضي. السبب الثاني للتعاطف الغربي مع اسرائيل يبدو مرتبطا بالمسألة الديمقراطية, فليس سرا ان الغرب يري في اسرائيل الديمقراطية التي لايراها في بلاد العرب. والجزء الاكبر من الدعاية الاسرائيلية لدي الرأي العام الغربي هو انها الواحة الديمقراطية الوحيدة وسط صحراء عربية قاحلة, تفعل اسرائيل هذا علي وجه الخصوص حين تبدو مأزومة ويشتد عليها الخناق بسبب ممارساتها العدوانية, وجزء مما تزعمه اسرائيل ويراه الغرب صحيح لكن الجزء الآخر ملفق ومتناقض فنقطة الضعف التي تعري الديمقراطية الاسرائيلية هي العنصرية التي تشكل السلوك اليومي للنسق الديمقراطي المزعوم اذ كيف تلتقي الديمقراطية والعنصرية في آن واحد؟! قد تبدو اسرائيل في احسن الاحوال مجتمعا ديمقراطيا لكن ثمة شكا كبيرا في اعتبارها دولة ديمقراطية, والفارق كبير بين الاثنين واسرائيل مجتمع يهودي ديموقراطي لكنها بيقين ليست دولة ديمقراطية. لكن المشكلة وربما المأساة انه ايا كان تحليلنا لمآزق المسألة الديمقراطية في اسرائيل فالحاصل ان هذه الديمقراطية علي الرغم من تناقضها تكتسب مصداقيتها لدي الرأي العام الغربي بقدر ما هي مفتقدة في المحيط العربي مترامي الأطراف. والديمقراطية محل اعتبار خاص في العقل الغربي لأسباب عديدة ليس فقط لانها الركيزة السياسية للدولة المدنية بل لان الغرب يجد فيها أي الديمقراطية جذوره الحضارية الحديثة. ثم ان اسرائيل قد نجحت في تسويق ديمقراطيتها واستثمارها اعلاميا في العالم كله بشكل ذكي وفعال. وبينما كنا نشمت في اسرائيل لأن رؤساءها وقادتها يلاحقون قضائيا بتهم التحرش الجنسي والفساد فإنها كانت تجني من وراء ذلك دعاية سياسية هائلة لدي الرأي العام الغربي تتجاوز كل آثار الفضيحة السياسية التي خلفتها هذه المحاكمات. لكن يبقي السؤال هو: هل بسبب ديمقراطية اسرائيل يغفر الغرب لها ويتناسي كل اخطائها وانتهاكاتها؟ والاجابة ان شيئا آخر غير الديمقراطية يسهم بالتأكيد في التعاطف الغربي مع اسرائيل, وهو ما يقودنا الي السبب التالي. السبب الثالث: قوي الضغط وجماعات الاعلام الموالية لإسرائيل في قلب المجتمعات الغربية. فلا احد ينكر الوجود القوي والذكي لهذه القوي والجماعات التي استطاعت ان تؤثر في الرأي العام الغربي الي حد كبير. وكان الملاحظ ان هذه القوي والجماعات قد توزعت بقصد او بدون قصد علي مختلف الاحزاب والاوساط ووسائل الاعلام ولم تضع البيض كله ابدا في سلة واحدة! ففي الولاياتالمتحدةالامريكية توجد هذه القوي بشكل مؤثر في الحزبين الجمهوري والديمقراطي معا. وفي فرنسا لايخلو حزب مؤثر من هذه القوي سواء من أحزاب اليمين ام اليسار. وعلي الرغم من ان هذا الوجود يبدو من الناحية العددية محدودا, فهو من الناحية النوعية شديد التأثير والتوجيه الي درجة يثار فيها التساؤل احيانا حول حقيقة الانتماء الذي يوجه هؤلاء وما إذا كان للدولة التي يحملون جنسيتها ام للدولة التي يحملون ديانتها؟ [email protected] المزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم