إنه الشيخ محمد سلامة الذي تمتع بحب كل من عرفه أو سمعه وهو يتلو كتاب الله تعالي, مما كانت له سمات طيبة في أخلاقه تميز عن غيره من المقرئين خاصة انه عاصر رموز التلاوة في مصر امثال مصطفي اسماعيل وعلي محمود وغيرهما من مشاهير القراء في مصر. كان الشيخ سلامة طالبا في الأزهر الشريف, وفي سن التاسعة عشرة شجع علي ان يصبح قارئا وكان يقرأ بالفعل وهو في سن العاشرة. وشارك الشيخ سلامة في ثورة1919 ضد البريطانيين, واعترف بدوره فيها بفخر واعتزاز. وهو القارئ المبرز الوحيد الذي رفض ان يسجل للاذاعة, واحد اسباب ذلك انها لم تستطع ان تستجيب لبعض شروطه, مثل الا يذاع ما يسجله في الشوارع والحانات, والا يسمح للمذيعات الاناث بالتواجد في الحجرة التي يسجل فيها القرآن. واشترك الشيخ سلامة في مؤتمر القراء في سنة1937, والذي نتج عنه تأسيس رابطة القراء. ولكن المسألة الخطيرة, هي ان بعض القراء كانوا خائفين من ان اذاعة القراءة ربما تضر القراء الاقل شهرة, وان يقل الطلب لخدماتهم. وكان الشيخ سلامة واضحا وصادقا في عقيدته الي ابعد حد. وكان في ادائه متحفظا في لفتاته وايماءاته, ويجلس جلسة التشهد اي لايربع رجليه ويتجاهل تعليقات الاعجاب, حتي ينصرف عن اولئك الذين يأتون اليه ليقبلوا يده, أو ليمدحوه. وبدا لي انه يتفاعل مع مستمعيه في النغمات الصوتية العالية الجوابات وحدها. وعندما يقرأ قارئ آخر كان الشيخ سلامة يستمع اليه مغمضا عينيه وخافضا رأسه. وكان هو المرشد المعترف به للشيخ كامل يوسف البهتيمي, والشيخ محمد صديق المنشاوي, وعاش كلاهما في بيته فترة من الوقت. ويتحدث البعض عن مدرسة الشيخ محمد سلامة بأنهاخط مباشر من طريقة الشيخ علي محمود. وقد درس الشيخ محمد سلامة علي ايدي الشيخ درويش الحريري معلم الكثيرين من الموسيقيين والقراء المبرزين, مثل الشيخ علي محمود, والشيخ سيد درويش, والشيخ زكريا احمد. وقد تعود الشيخ محمد سلامة ان يغني ويعزف علي العود حتي وفاة زوجته. والشيخ سلامة هو القارئ الثاني الوحيد بعد الشيخ رفعت الذي يربط النغمة بالمعني( تصوير المعاني). وكان عجبا من العجب في قوة الصوت وعذوبة الأداء. والحق ان ما قيل عن الشيخ محمد سلامة لايعبر تماما عن قدراته الفذة وتمكنه في الجوابات وروعته في القراءات, ولا عن طول نفسه وطاقته المذهلة في القراءة لساعات طويلة. وفي سنة1947, كان هو والشيخ مصطفي اسماعيل يحييان ليلة اربعين في حي عابدين, وبعد ان قرأ الشيخ محمد سلامة ما تيسر من سورة الحج, جاء الشيخ مصطفي وقرأ ما تيسر من سورة هود, ثم اراد ان يختم الليلة بقراءة قصار السور, وتدخل بعض ذوي الشأن, وصعد الشيخ سلامة الاريكة وظل يقرأ ويبدع دون توقف اكثر من سبع ساعات, حتي سمع اذان الفجر من مسجد مجاور, فقال صدق الله العظيم. إن ما قرأه الشيخ محمد سلامة في تلك الليلة لو سجل لكان كنزا قرآنيا, وثروة في فن القراءة والتمكن من اصول التجويد واحكام القراءات وتصوير المعاني بصوت بديع فتي يأسر وجدان مستمعيه. ويقول الاستاذ محمود السعدني في كتابه ألحان السماء( سلسلة الكتب للجميع, العدد139 ابريل1959, ص76) عن الشيخ محمد سلامة: عاصر الفترة الذهبية لعصر التلاوة أيام الشيخ علي محمود ونال من الشهرة ومن المجد مالم ينله مقرئ من قبل, حتي ولا الشيخ احمد ندا, واهيب في هذا المقام باذاعة القرآن الكريم أن تسعي مشكورة للحصول علي أية تسجيلات للقارئ الشيخ محمد سلامة التي قد تكون موجودة عند بعض محبيه ويمكن ان يتم ذلك عن طريق احد البرامج كخدمة جليلة لكتاب الله الكريم.