كتبت - راوية الصاوي : من آفات التعامل التجاري, والنشاط الاقتصادي في الماضي والحاضر, أن يقوم الفرد أو شركة أو جماعة باحتكار السلعة أو منتج معين بواسطة حبسه عن التداول والتضييق علي الناس في الحصول عليه والتحكم في المعروض منه في الأسواق, بغرض تعطيش السوق الأمر الذي يدفع الناس إلي الطلب المحموم علي السلعة أوالمنتج بسبب حالة الحرمان والحبس التي أوجدها هؤلاء المحتكرون. ويوضح الدكتور محمد الشحات الجندي أمين عام المجلس الأعلي للشئون الإسلامية ان الاحتكار يلجأ المحتكر إلي أساليب من شأنها الإخلال بقانون العرض والطلب, وهو المعيار الحاكم للتعامل في الأسواق, والضامن للتوازن وضبط السوق, فيؤدي ذلك إلي تعطيل المؤشر العادل والضابط لمعاملات الناس بهدف تعظيم الربح, وجمع المال والإثراء الفاحش علي حساب محدودي الدخل والغالبية الكادحة والمطحونة من الأفراد. ولأن المحتكر مستغل وانتهازي في مسلكه غير المشروع في العقل ونظم التعامل, فقد نهي عنه الإسلام وحظره في المعاملات, وتوعد صاحبه وعيدا شديدا, فقد روي عن الرسول صلي الله عليه و سلم أنه قال:, المحتكر ملعون] أخرجه الحاكم في المستدرك,14/2, ح(2164), وجاء في الحديث:, من احتكر يريد أن يغالي بها علي المسلمين فهو خاطئ وقد برئت منه ذمة الله] أخرجه البيهقيفي سننه الكبري, كتاب البيوع, باب ما جاء في الاحتكار,49/6, ح(11149).. وهذا الموقف المتشدد للشريعة من الاحتكار بسبب ما يحدثه هذا المسلك الشنيع للمحتكر علي الناس, وآثار فعله السيئ في افتعال أزمة وضغوط معيشية تحدث العنت والمشقة والإضرار علي البسطاء والمطحونين, وما يحصل عليه المحتكر من التربح والثراء بغير جهد ولا عمل, فينعكس سلبا علي الأفراد بوجودهم في حالة من الإفقار والإفلاس والحرمان. ومن يتأمل صور الاحتكار في العصر الإسلامي, وصوره في العصر الحديث, يجد فرقا شاسعا بينهما, فقد كان الاحتكار في العصر الإسلامي محدودا في نطاقه وفي وسائله وفي أثره, إذا قورن بالاحتكار في العصر الحديث, بسبب بساطة الحياة ومحدودية الأسواق, ونوعية السلع والمنتجات في العصرين, ومع ذلك وقف الشرع من الاحتكار موقفا رافضا له حماية للفئات الضعيفة, وحرصا علي سد احتياجات الناس. وفي ذلك الموقف دلالة ومغزي علي انحياز الشرع للفقراء والمحتاجين ورعايتهم, والحرص علي انتظام التعامل والنشاط الاقتصادي.