يواصل الدكتور صلاح سلطان أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم استنباط منهجيات التربية من خلال قصة سيدنا إبراهيم مع ولده إسماعيل, مشيرا إلي نقطة مهمة يغفلها معظم الناس في عالم اليوم وهي توصية الأولاد, وأوضح أن سيدنا إبراهيم استمر علي منهج التوصية لأولاده جميعا كي تبقي نصائحه معمولا بها في حياته وبعد وفاته:أما الوصية في حياته فتبدو من قصة زيارته وتفقده ولده إسماعيل بعد زواجه الأول ولم يجده وسمع من امرأته شكاية شديدة وضيقا بالحياة, وعدم ذكر أية إيجابيات لحياتها مع زوجها, فأدرك الأب أن هذه الزوجة لا تصلح لابنه الذي تربي علي المكارم فترك وصيته لابنه أن يغير عتبة داره, فطلقها إسماعيل علي الفور, ولما زاره مرة أخري بعد زواجه الثاني ووجد من امرأته قناعة ورضا وحمدا لله علي نعمه وثناء علي زوجها, ترك وصية لابنه أن يثبت عتبة بابه, ففعل سيدنا إسماعيل, والشاهد هنا أنه ترك وصيته في الحالتين السلبية والإيجابية, بالتطليق في الأولي والتثبيت في الثانية, مما يدل علي أنها منهجية ثابتة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, من خلال الوصية. أما الوصية التي تركها لأولاده وأحفاده بعد وفاته فتبدو من قول الله تعالي:( ووصي بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفي لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) البقرة:132 , ويبدو من الآية أن هذا المنهج في الوصية بإفراد الله بالعبودية والتزام الإسلام في كل الجوانب الحياتية صارت أيضا منهجا لأولاده من بعده حيث وصي إسحاق يعقوب, ووصي يعقوب أبناءه أجمعين ألا يموتوا إلا علي الإسلام, وكان من آخر وأجمل دعاء سيدنا يوسف عليه السلام :( توفني مسلما وألحقني بالصالحين) يوسف:101 , فتلاحق خير سيدنا إبراهيم عليه السلام في بنيه, وتتابعت منهجيته في أحفاده, وحفظها النبي صلي الله عليه وسلم كمنهجية عن جده إبراهيم عليه السلام , ومن ذلك ما رواه الترمذي بسنده عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلي الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب, فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟, قال: أوصيكم بتقوي الله, والسمع والطاعة وإن عبد حبشي( أي ولي عليكم) فإنه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا, وإياكم ومحدثات الأمور, فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ. لقد غرس سيدنا إبراهيم عليه السلام في أولاده فأحسن الغرس, واستثمر الخير فيهم فأحسن الاستثمار, وأدركته العناية الربانية فحصد الثمرة كأحسن ما يكون الحصاد, وأنفع ما تكون الثمار, فوجد هذه الطاعة الكاملة من ولده حتي لو أمره بذبحه أو تطليق زوجة وتثبيت أخري, وطاعته في تحمل رفع القواعد من البيت في الأجواء الحارة الشديدة, وهكذا صار القدوة لكل أب إلي يوم الدين.