من غير المقبول في هذا الجو السياسي المتوتر والذي يسبغ علينا مسحة حزن وقلق, ومع كل الاحداث المتوالية والتي تنقلنا نفسيا من حال إلي حال, تزحف علينا وبشراسة موجة إعلانات مكثفة عن مسلسلات درامية, تعرض في التليفزيون في شهر رمضان الكريم. وهي مسلسلات من كل صنف وكأنه ماتغير شيء في مصرنا الغالية كثورة يناير العظيمة! وكأننا نعيش الهناء في هذه الأشهر الستة الماضية! وكأن الفرحة تملأ كل بيت مصري وكأن هناك اسر الشهداء, المفروض عليهم تجاوز آلامهم واحزانهم علي فراق الاحباء! فما إن يقترب شهر رمضان الكريم حتي تحاصرنا المسلسلات من كل صوب وحدب, فهل جاء شهر رمضان الكريم هذا العام في ظروف عادية؟ ام جاء بعد ثورة بيضاء عظيمة اقتلعت نظاما سياسيا فاسدا وظالما, جسم علي صدورنا ثلاثين عاما كاملة, وترك بصمات سلبية علينا وجراحا كثيرة مطلوبا علاجها؟! وبصرف النظر عن ان شهر رمضان هو شهر الصوم والعبادة وقراءة متمعنة في القرآن الكريم, إلا ان كم المسلسلات الدرامية التي من المفروض ان تبث, بدا مهولا, أكثر من أربعين مسلسلا, في جو سياسي متوتر, غير مستقر, ونفوس مترقبةلاصلاحات كثيرة, وامنيات ببدء السير علي طريق الديمقراطية الحقيقية! وهذا الكم الهائل من المسلسلات الدرامية والتي كانت تغرقنا قبل الثورة في بحر من الكسل والتراخي والتفاهة والعبث, والتي كانت تهدف دائما حسب خطة النظام, لتغييب الشعب المصري كله حتي يبعد عن التفكير في حقوقه, وحتي يقع في دوامة من احداث خالية المضمون وضعيفة المستوي لاتضيف ابدا لفكره او خياله أو طموحه! رفقا بنا وبشعبنا الذي يعيش احلي ايامه واقساها علي السواء, الذي بدأ يتنسم عبير الحرية من خلال مناخ سياسي يلهب الوعي الوطني ويزيد من لهفتنا وحبنا لمصر الغالية! فوسط هذا الجو السياسي والمتغيرات الكثيرة لايليق ان نعيش نفس الجو السابق من السطحية والتفاهة. شهر رمضان الكريم هذا العام, غير كل الأعوام السابقة, فالغالبية العظمي من الشعب تعيش في حالة مزاجية مختلفة, يملؤها الحزن والشجن والترقب والأمل, وعقل متيقظ لاعداء الثورة, وتفكير دائم لايهدأ في مستقبل افضل وامنية دفينة تحلم بالفرحة في رؤية مصر تتغير وقد حققت مطالب ثوارها, العادلة, من حرية وعدالة اجتماعية ونهضة اقتصادية. والسؤال هو: بعد هذه النهضة الفكرية والروح الثورية والثقافة السياسية العالية التي شعرنا بها جميعا منذ نجاح الثورة, هل تكون في انتظارنا مثل هذه المسلسلات مرة أخري, خاصة ونحن نفكر في مستقبل مصر الحرة الجديدة ونحن نحشد كل طاقاتنا من أجل مواجهة قوي الثورة المضادة التي تتربص بنا, ونحن ننتظر أولي الخطوات علي طريق الديمقراطية الحقيقية؟بالقطع, بعد ثورة يناير العظيمة لسنا في حاجة إلي تسلية هابطة أو لهو مغرض, فمصرنا تحتاج منا اليقظة والحماس والفكر الواعي الدارس للتخطيط لمستقبل شعبها. كما أن الساحة الآن لاتحتمل تسلية هابطة أو هزلا أو اداء ينقصه الحب والانتماء, ومن يقدر علي العطاء الوطني الخالص وعلي تقديم الخير لمصر, فليتقدم أو فليصمت للأبد!! المزيد من مقالات دلال العطوى