فى العاشرة وخمس دقائق وقع الإنقلاب .. وبدا المشهد الذى نقلته كاميرات التليفزيون إلى مواقع تحتضنها خطوط الطول والعرض على سطح الكرة الأرضية وكأنه البيان رقم واحد .. فكل شئ قد تبدل وأعيد تشكيله من جديد .. وعلى الرغم من أن اللحظة كانت " إنقلاباً " إلا أنها كانت فى حقيقتها " تصحيحا" لأوضاع فاسدة اختارت أن تسكن - لسنوات طوال - أرجاء وطن رفض أبناؤه دوماً محاولات إذلالهم !! هي مجرد مسافة لا تزيد على بضع خطوات كانت كفيلة بأن تفصل بين مشهدين بل بين " مصرين " إن صح التعبير .. مصر الخضوع والخنوع .. ومصر القصاص.. مصر النفاق .. ومصر الحق .. مصر "الإله الحاكم " .. و مصر الثورة .. مصر التمييز .. ومصرالعدل والمساواة .. مصر التى فُرضت علينا 30 عاماً كاملة .. ومصر التي نريدها ..!! خطوات أبدلت المشهد تماماً .. ونقلت من كان على المنصة فى قاعة الإحتفالات بذات الأكاديمية - التى اختار القدر إحدى قاعاتها المجاورة لتكون مقراً لمصيره الذى سيحدده قاضى الجنايات يُحيًى ويُطْرَب لهتافات " بالروح .. بالدم نفديك " - إلى ركن منزو فى قفص حديدى كان متسعاً ليضم رموز نظامه مستلقياً على سرير اختاره بأفعاله وممارساته أن يظل محله المختار هروباً من هدير الجماهير والثوار ..خطوات أطاحت بمن كان يُستقْبل بعاصفة من التصفيق عند ظهوره .. ليصبح هدفاً للعنات أمهات ثكالى وآباء فقدوا من كان يتوقون إلى أن يكونوا سنداً لهم فى شيخوختهم .. أمتار قليلة كانت كافية لتغير مفردات ينطق بها " ياوران " رئاسة الجمهورية " السيد الرئيس " كانت إيذاناً لأن يقف الجميع ليثيروا عاصفة من التصفيق لتصبح " المتهم محمد حسنى السيد إبراهيم مبارك " ينطق بها القاضى ليرد من خلف القضبان " أفندم " من كانت نظرة واحدة من عينيه كافية لتغيير مستقبل أمة فما بالك بكلمة ينطق بها أو بتعليمات يصدرها ذلك الفرعون الذى كان الوطن يٌقدًم له قرباناً تحت قدميه ؟! قبل ليلتين فقط من اندلاع ثورة الشعب وتحديداً فى نهار يوم 23 يناير الماضى كان مبارك يقف خلف منصة الخطابة فى قاعة الإحتفالات بأكاديمية الشرطة وسط أفراد مؤسسته الأمنية إحتفالاً بعيدهم غير أن أوامره أحالت بعضاً منهم إلى قتلة لأبناء الوطن الذين خرجوابعدها بيومين ليدافعوا عن حقهم فى وطن يريدون رسم ملامحه بأنفسهم ..وعندما حانت الساعة العاشرة وخمس دقائق من صباح الأربعاء الماضى ظهر مبارك - "متهماً " -على سريرة من خلف قضبان شيدت خصيصاً له ولرفقاء نظامه فى ركن منزو فى قاعة المحاضرات رقم واحد التى تبعد أمتاراً قليلة عن تلك القاعة التى إعتاد الوقوف فى مقدمتها " رئيساً وقائداً ملهماً " وفق ما ينطق به من يسبقه فى الكلمة من مفردات عانى طويلاً ليصيغها لترقى لقامته ليقدمه بها !!. طوال فترة الجولة الأولى من المحاكمة لم ينطق مبارك سوى بكلمة " أفندم " عندما نودى عليه متهماً أمام محكمة الشعب بعد أن تأكد أن محاولاته وإصرار "أرامله " على خداع البسطاء من المواطنين وإحداث ثورة مضادة لثورة الشعب النبيلة التي قادها ثوار "متحضرون " أرادوا تغييرواقع عانوا خلاله من تغييب حقهم في صياغة قرار مستقبل وطن خضع عقوداً طويلة لديكتاتورية " الإله الحاكم " قد باءت جميعها بالفشل وأصبحت بالفعل كل هذه الممارسات أشبه "بحبل الإعدام " الذى التف حول رقبته ورقاب أركان نظامه بعد أن يواجهوا جرائمهم التي ارتكبوها بدم بارد على مدى سنوات طوال لتتحول دماء الشهداء التى سالت فى شوارع وأركان الوطن إلى " مقصلة " تطيح برقاب نظام أراد وأد أحلام شعب فكان ذلك المشهد الذى بدت ملامحه فى العاشرة وخمس دقائق من صباح الأربعاء الماضى !!