صفحة من ملحمة الثوار المؤامرة الكبري وجمعية الانتقام شهدت ثورة 1919 عديد الجمعيات والتنظيمات السرية التي هدفت إلي محاربة المحتل الإنجليزي والخونة الذين يساعدونهم من خلال العمليات السرية. وكانت المقاومة المصرية قد توقفت في فترة الحرب العالمية الأولي من عام 1914 إلي 1918 لمعرفة المصريين بانشغال بريطانيا ودول العالم في هذه الحرب, والتي ما إن انتهت حتي انفجر البركان المكتوم وبدأت المظاهرات والإضرابات التي كتبت سطور وصفحات ثورة 1919 التي قام بها الشعب. لم تقتصر العمليات الفدائية وتنظيمات المقاومة في هذه الثورة علي فئة معينة بل ضمت كل فئات الشعب بما فيها العمد والأعيان والبكوات ومنهم عبدالرحمن بك فهمي الذي اتهم في قضية اشتهرت باسم قضية المؤامرة الكبري حكم عليه فيها بالإعدام بتهمة أنه كون مع 27 آخرين جمعية سميت جمعية الانتقام كان الغرض منها خلع السلطان أحمد فؤاد الذي كان متهما بأنه من أعوان الإنجليز وهم الذين جاءوا به وولوه بعد أن اعتذر عن تولي العرش الأمير كمال الدين حسين ابن السلطان حسين كامل. لكن من المفارقات أن تحدث ثورة 19 في عهد فؤاد ويتحقق نتيجة لها إعلان الإنجليز رفع حمايتهم علي مصر وتصبح مصر دولة مستقلة لها سيادتها ودستورها وبرلمانها وتتحول إلي دولة ملكية يحمل حاكمها لقب ملك مصر وسيد النوبة وكردفان ودارفور. لماذا أم المصريين؟ كان عبدالرحمن فهمي من الذين يطلق عليهم الوجهاء أبناء الطبقة الارستقراطية, فقد تخرج في المدرسة الحربية عام 1888 وشارك في حملة جيش مصر إلي السودان وتدعمت علاقاته بالحركة الوطنية في السودان. وقد تولي عدة مناصب من بينها العمل ياورا لوزير الحربية مصطفي فهمي باشا قبل أن يتولي الأخير رئاسة الوزارة وهو حتي اليوم صاحب أطول فترة لأي رئيس وزراء (16 سنة). وهو مصطفي فهمي تركي الأصل فقد ولد في جزيرة كريت إلا أنه انضم في مصر الي الكلية الحربية ووصل الي أعلي رتبة في الجيش وهي رتبة فريق وعين محافظا للمنوفية ثم القاهرة ثم أصبح وزيرا لعدة وزارات( الأشغال والخارجية والعدل والمالية والداخلية والدفاع) قبل أن يصبح رئيسا للوزراء. ورغم أنه عرف برجل الإنجليز في مصر فقد تزوجت ابنته صفية فهمي بأشهر زعماء مصر في هذه الفترة سعد زغلول باشا والذي يعتبر من طبقة الفلاحين وهو أمر لم يكن مألوفا أن يتزوج الفلاح من أكابر الشراكسة والأتراك. وكانت المفارقة أن تشارك إبنة رجل الإنجليز في مصر المصريين في كفاحهم من أجل نيل الاستقلال وقد خرجت وهي زوجة سعد علي رأس المظاهرات النسائية التي شهدتها ثورة 1919 وعندما أقصي الإنجليز زوجها خارج مصر أصدرت صفية زغلول بيانا قرأته سكرتيرتها أمام بيت الأمة( بيت سعد وصفية) قالت فيه: إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعدا ولسان سعد فإن قرينته شريكة حياته السيدة صفية زغلول تشهد الله والوطن علي أن تضع نفسها في نفس المكان الذي وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن, وإن السيدة صفية في هذا الموقع تعتبر نفسها أما لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية. وما إن أذيع البيان حتي هتف أحد المتظاهرين تحيا أم المصريين ومنذ هذه اللحظة أصبحت تنادي بهذا اللقب الذي زاد منه أنها لم تنجب وظلت تحمل اللقب الي أن لقيت وجه ربها عام 1946 عن عمر 68 سنة قضت منها 19 سنة أرملة بعد وفاة زوجها سعد. الجهاز السري لحزب الوفد وعودة إلي عبدالرحمن فهمي بك فقد أبعده الإنجليز عن آخر مناصبه كمدير لمديرية الجيزة وهو منصب كبير يعادل محافظ الجيزة حاليا, أبعدته إلي وكالة الأوقاف المصرية فاصطدم مع الخديو عباس الذي كان يطمع في الاستيلاء علي قطعة أرض تابعة للأوقاف فأصدر الخديو قرارا بإحالته إلي المعاش عام 1913 وكان مازال في سن 43 سنة. اجتذبت الثورة عبدالرحمن فهمي وأصبح سكرتيرا عاما للجنة حزب الوفد المركزية وفي الوقت نفسه قام بإنشاء وقيادة الجهاز السري لحزب الوفد الذي شكله سعد زغلول وساعده في إنشاء هذا الجهاز وتنظيمه ابن أخيه أحمد ماهر الذي اصبح رئيس وزراء مصر فيما بعد وجري اغتياله في مجلس النواب عام 1945 في مايو 1920 قبضت السلطات الانجليزية علي عبدالرحمن فهمي و26 معه اتهمتهم بانهم أعضاء في جمعية سرية اسمها جمعية الانتقام غرضها التحريض علي العصيان والقتل لخلع السلطان أحمد فؤاد. وكان أساس الاتهام شهادة شخص يدعي عبدالظاهر السمالوطي كان من أعضاء الجمعية نجح الإنجليز في تجنيده فاعترف علي اعضاء الجمعية الذين كان من بينهم ابراهيم عبدالهادي الطالب بالحقوق ( رئيس الوزراء فيما بعد) إلي جانب 13 طالبا آخرين وصحفيين ومحامي وخريج قضاء شرعي ومزارع وسكرتير أحد الأمراء وعامل بالسكة الحديد مما يكشف إلي أي مدي كان العمل الوطني يضم نوعيات مختلفة من المصريين من البكوات والاستقراطيين الي العمال والمزارعين. الحكم بإعدام سبعة بدأت محاكمة ال27 متهما يوم20 يوليو 1920 أمام محكمة عسكرية بريطانية مؤلفة من خمسة ضباط برئاسة أحد الجنرالات عقدت جلساتها في محكمة الاستئناف واستمرت المحاكمة نحو ثلاثة أشهر حتي يوم 6 أكتوبر, إلا أن أحكامها لم تعلن إلا يوم 21 فبراير1921 وقد قضت بإعدام سبعة متهمين هم عبدالرحمن فهمي, وحامد المليجي( صحفي) ومحمود عبدالسلام( مدرس) ومحمد يوسف ومحمد حسن البشبيشي ( محامي) ومحمد لطفي المسلمي ( طالب حقوق) وعلي هنداوي ( طالب بالأزهر) وقد تم تعديل جميع هذه الأحكام من الإعدام الي السجن15 سنة وحكم علي الآخرين بالسجن مددا مختلفة كان اقصاها علي طالب حقوق ابراهيم عبدالهادي الذي حكم عليه بالسجن 15 سنة وجلده 30 جلدة وتغريمه 2500 جنيه ( مبلغ كبير جدا بمقاييس ذلك الوقت) إلا أنه تم الإفراج عنهم جميعا في عهد وزارة سعد زغلول. وبعد ذلك اصبح ابراهيم عبدالهادي رئيسا لوزراء مصر عام 1948 وحوكم مرة أخري بعد ثورة يوليو بتهمة إفساد الحياة السياسية ge.gro.marha@tnomhalas المزيد من أعمدة صلاح منتصر