أصابتني صدمة شديدة مما نشرته الزميلة المصري اليوم في صدر صفحتها الأولي صباح الأحد الماضي علي لسان أحد قيادات السلفيين ووصفه للمعتصمين في ميدان التحرير بأنهم جرابيع هربوا حينما زحف4 ملايين مسلم سلفي إلي الميدان. من حق السلفيين التعبير عن رأيهم والخروج والتظاهر واستعراض قوتهم, فميدان التحرير ليس ملكا لأحد, والثورة المصرية ليست حكرا علي أحد, ولكن في ذات الوقت يجب الحفاظ علي آداب الاختلاف واحترام الآخر مهما اختلفنا معه. هذا التصريح إن صح يأتي في إطار سلسلة من الاخطاء, كانت بدايتها حينما حاولت بعض الفصائل احتكار ميدان التحرير بعد8 يوليو وحدها والاستهانة برأي الآخرين وقوتهم, ومحاولة تصدر المشهد دون منازع, وكذا الرغبة في فرض اجندتهم علي الحكومة والجيش وإلا صبوا عليهم جام غضبهم, مما جعل السلفيين والجماعة الاسلامية ومعهم الأخوان وباقي تيار الاسلام السياسي يتحركون لاستعراض قوتهم هم الآخرون أمام الحكومة والجيش والمجتمع ككل وتأكيد مطالبهم بالانتخابات اولا ورفض المباديء الدستورية الحاكمة تطبيقا لنتيجة الاستفتاء هذه هي الإشكالية التي وقع فيها كل الأطراف من مختلف التيارات حينما حاول كل طرف الوقوف علي أطراف أصابعه رافضا التنازل قيد أنملة, ومتهما الآخرين بأقذع الاتهامات وأبشعها, متمنيا إزالته من الوجود ليخلو له الجو وكأنه يريد تزويرا من نوع آخر.. تزوير أبشع وأكثر قسوة مما كان يحدث.. تزوير من خلال إزاحة المنافس متمنيا إعدامه معنويا وسياسيا وماديا حتي تكون الساحة له وحده يلعب فيها كيفما يشاء, مع أن العدل لايستقيم إلا اذا تم تطبيقه علي الجميع دون تفرقه, والديمقراطية لن تتحقق إلا من خلال فرص متساوية لكل الأفراد والتيارات السياسية والفكرية دون تمييز. هذه هي المباديء الاساسية التي يجب الالتفاف حولها حتي لانغرق في التفاصيل ونشهد مزيدا من التدهور الأمني والاقتصادي, ويكفي ماحدث في سيناء من هجمات مدبرة في العريش تصل في خطورتها إلي تهديد الأمن القومي, فهل يغرق الجيش في الخلافات بين الفصائل المختلفة ويترك الحدود خاوية يلعب فيها المتآمرون؟! والأخطر انه في ظل حالة الفوضي الأمنية الموجودة الآن يمكن ان تحدث كوارث أخري اكثر خطورة علي مستقبل الأمن القومي وتعرض الأراضي المصرية في سيناء للضياع سواء من جانب بعض المغامرين, كما أشارت بعض التقارير الصحفية, ومحاولتهم إقامة إمارة اسلامية هناك, أو ربما يخطط العدو الصهيوني لإيجاد ثغرة لينفذ منها إلي سيناء في ظل سوء التقدير الحالي من بعض القوي والتيارات للموقف وإصرارهم علي إدخال الجيش في معارك جانبية في الداخل تصرف تركيزه عما يحدث علي الحدود خاصة في سيناء التي أصبحت نهبا مستباحا للفوضي والانفلات الأمني. لو طبقنا المثل القائل رب ضارة نافعة علي الجمعة الماضية فانه من الممكن ان نخرج بدرس مهم في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ مصر وهو احترام الآخر, وعدم محاولة احتكار الحقيقة من جانب أي فصيل أو تيار, والأهم هو احترام ارادة الشعب والسير بخطي سريعة وثابتة نحو إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ليعود الجيش إلي ثكتانه, وقد أنجز اعظم انجازاته في العصر الحديث حينما حمي الثورة وحافظ عليها, ولم يطمع فيها, والأهم انه لم يستجب لدعوات من طالبوه بالاستمرار والبقاء, وأتمني لو أستمر الجيش في نهجه وأصر علي حياده ورفض اللجوء إلي القرارات والقوانين الاستثنائية التي يحاول بعض الاطراف توريطه فيها تحت مزاعم وحجج واهية. ايضا علي حكومة الثورة ألا تخضع للابتزاز من جانب هذا الفصيل أو ذاك لأنها حكومة كل الأطراف والأطياف, وعليها ان تحافظ علي هذا التوازن الدقيق حتي تخرج بالفترة الانتقالية الي بر الأمان بعيدا عن محاولة جرجرتها إلي تبني اجندات هذه التيارات أو تلك وإلا فان التاريخ لن يرحمهما, وعليها أن تدرس قراراتها جيدا, والأهم ألا تتسرع في سلق قوانين سيئة السمعة أو استنساخ أخري عفا عليها الزمن تتنافي مع حقوق الانسان ومع المباديء الديمقراطية والدستورية التي وافق عليها الشعب. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة