ثمة محاولة من قبل بعض الذين ينتمون الى ثورة الخامس والعشرين من ينايرالى نفى وأقصاء ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 التى فجرتها طليعة ثورية من القوات المسلحة المصرية بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر. واعتبارها كأن لم تكن وهى حالة من الشطط تلبست هؤلاء النفرالذين رأوا أن ثورة الخامس والعشرين من يناير هى الثورة الوحيدة فى تاريخ مصر الحديث وأن ما عداها لم يكن الا مجرد انتفاضات أو انقلاب عسكرى قاده رجال الجيش وذلك دون قراءة حقيقية لجوهر ثورة يوليو أو مردودها السياسى والاقتصادى والاجتماعى ليس على الواقع المصرى فحسب وانما على مجمل المشهد العربى والعالم الثالث بل أِشير هنا الى أن علم الثورات الذى يدرس فى بعض جامعات الغرب بحسبانه علما مستقلا ما زال يدرس ثورة يوليوكنموذج على الثورات الحديثة التى أفضت الى تغيير حقيقى وشامل فى بينة المجتمع المصرى ولاشك أن ثمة حماسا بالغا لدى قطاعات عريضة لثورة الخامس والعشرين والتى هى ثورة الشعب المصرى بكل شرائحه واتجاهاته والجميع يدرك مفصليتها فى التاريخ المصرى المعاصر بل إن مجلة التايم الامريكية اعتبرتها واحدة من أهم الثورات فى العالم على مدى القرون الأربعة المنصرمة بيد أن ذلك لاينبغى بالضرورة أن يقود الى وأد ثورة يوليو ومحوها من خارطة الواقع المصرى بل يمكننى القول بإطمئنان أنها شكلت المرتكز الرئيسى بأفكارها وتوجهاتها لثورة يناير وهو ما تجلى- ليس فى رفع صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بشوراع وميادين مصر خلال الثمانية عشر يوما التى أمضتها الجماهير منادية بسقوط مبارك - بل فى الشعارات التى تبناها المتظاهرون والتى تمثلت فى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتى كانت من أهم الأهداف التى سعت الى تحقيقها ثورة يوليو وإن تفاوتت المعطيات المحيطة بهدف تحقيق الديمقراطية والذى لايمكن للمرء الا أن يشير الى أنه لم يشهد تفعيلا على الصعيد السياسى ربما بفعل حداثة التجرية الحزبية التى شهدتها المحروسة قبل يوليو واتسمت بأداء وفعالية هشة لم تتماس مع مطالب الشعب الذى عانى ثالوث الجهل والمرض والفقر فلم يتمكن من مقاربة الأطروحات الديمقراطية والتعددية الحقيقية والتى ظلت مرهونة بالنخبة الاقطاعية وكبار الملاك ورجال السياسة المصنوعين على عين المستعمر البريطانى صاحب القرار الحقيقى فى مصر والقصر الملكى الضعيف مع الاحتلال والمتغرطس مع شعبه لقد انطلقت ثورة يوليو من واقع شديد السوء وسعت الى التخلص منه عبر وسائلها المتاحة معتمدة على القدرات الذاتية للشعب المصرى واضعة فى الاعتبار الكرامة الوطنية التى شهدت انسحاقا فى حقب ما قبل يوليو بلا حدود حتى من قبل النخب السياسية التى كانت تتبادل السلطة فيما بينها عبر انتخابات مزورة فى أغلبها فضلا عن تردى بالغ فى الوضعية الاجتماعية للشعب ووقعت محاولات عديدة لتغييرها لكنها ظلت عصية على التجاوز الي أن جاءت طليعة القوات المسلحة التى قادت أهم تحول فى تاريخ مصر المعاصر فى الثالث والعشرين من يوليو 1952 فشكل بتوجهاته واختراقاته الواسعة للواقع ثورة بكل المعايير بالرغم من أنه أطلق عليه فى البداية وصف الحركة وجاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير بعد أن بلغ الظلم مداه فى ظل حكم الرئيس السابق حسنى مبارك والذى لم يتمكن مرة واحدة من قراءة بوصلة الشارع فظل سادرا فى غيه ومشروعه الخاص والذى نهض على تقزيم مصر وحصرها فى نخبة سياسية زاوجت بين السلطة والثروة دون أى مقاربة حقيقية مع الأغلبية التى ظلت تعانى من القهر السياسي والأمنى والاجتماعى بحيث أن تجليات المشهد المصرى قبل الخامس والعشرين من يناير كانت متقاربة الى حد كبيرمع ملامح المشهد الذى كان سائدا فى نهاية حقبة الأربعينيات وبداية حقبة الخمسينيات من القرن الفائت. اذن السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تكاد تكون متقاربة بين الثورتين وإن شهدت قدرا أوسع من التفاقم فى حقبة مبارك الذى ظل يحكم الوطن دون أن يشعر بنبض الشعب فكرهه وأصر على خلعه وثمة قاسم مشترك فى الثورتين يتجلى فى الدور الذى لعبته المؤسسة العسكرية ففى يوليوكانت هى مفجر الثورة وحاميتها وانحاز اليها الشعب الذى منحها تأييده فسعت الى تحقيق أِشواقه وأحلامه . وفى يناير فإن الشعب هو الذى فجر الثورة فانحازت اليه المؤسسة العسكرية معلنة تبنيها لخياراته ومؤكدة حمايتها له فى وجه مطالب بإبادته والقضاء على المتظاهرين باستخدام القوة والعنف وبدون هذا الانحياز فانه لم يكن بمقدور هذه الثورة أن تصمد حتى الآن . اللافت أن نفرا من الذين يسعون الى اقصاء يوليو من مشهد يناير هم من الليبراليين الجدد وبعضهم قفز على ثورة يوليو من مظلة صنعت خارج الحدود ويحصل على أموال باتت تتدفق من دوائرمعروفة بكراهيتها التاريخية للمشروع الوطنى القومى الذى جسدته ثورة يوليو فضلا عن ارتباطات تداخلت مع النظام السابق الذى عادى مشروع عبد الناصرعلى صعيد المحتوى وإن حاول التمسح بها على مستوى الشكل إن ثورة الخامس والعشرين من يناير ليست خصما من رصيد ثورة الثالث والعشرين من يوليو التى مر على تفجيرها 59 عاما ولن تكون نقيضا لها على الإطلاق فهى حية فى وجدان الشعب المصرى بكل منجزها السياسى والاقتصادى والاجتماعى