ليس صحيحا ما يراه البعض من أن تطوير الثانونية العامة هو جوهر مشكلة التعليم, حتي لو صرح أي وزير جديد للتعليم بأنه سيضعه في أولي اهتماماته.. فمع أهمية تطوير الثانوية العامة وإصلاح مسارها فإن هناك سلبيات كثيرة تشوب منظومة التعليم كلها, وملاحظات عديدة علي جميع مراحله يتعين تداركها, وهي لا تقل أهمية عن سلبيات الثانوية العامة, وليس عيبا أن نعترف بوجودها, لأن رصد السلبيات والثغرات هو المدخل الحقيقي لعملية الإصلاح, وقد سبق للولايات المتحدة عندما احست بتدهور مستوي التعليم بها ان كلفت عددا من الخبراء دون أي حرج بإعداد تقرير شامل بجميع مظاهر التدهور, كان عنوانه أمة في خطر, وبادرت باتخاذ ما انتهي إليه من توصيات وإجراءات استهدافا لإصلاحه جذريا. ومع اعترافنا بما سبق بذله من جهود لتحديث التعليم وإصلاحه فإننا لم نستطع القضاء علي جميع سلبياته, ومنها انتشار الدروس الخصوصية في جميع مراحل التعليم حتي بعد إقرار الكادر الجديد للمعلمين, الذين يحتاج الكثيرون منهم إلي مزيد في التدريب, ومازال التسيب يضرب بأطنابه كثيرا من دور العلم, ومازالت المناهج الدراسية والكتاب المدرسي بعيدين عن مواكبة ما حققته فروع العلم المختلفة من قفزات وإنجازات, فضلا عن قصور الامكانات المادية للمدارس كضيق الأفنية والفصول وازدحامها وافتقارها إلي المعامل والاجهزة الحديثة, ومازالت الامتحانات تركز علي اختبار قدرة التلميذ علي الحفظ بنسبة تفوق كثيرا تقييم قدرته علي الإبداع والتفكير, كما أن ثقافة الغش متغلغلة بين التلاميذ بل وبين أولياء أمورهم في بعض الاحيان.. وقبل ذلك كله فإن السياسات التعليمية كثيرا ما تتعرض للتعديل عند أي تغيير وزاري, وهو ما حدث حين اختصرت المرحلة الابتدائية من ست إلي خمس سنوات, ثم اعيدت السنة السادسة في عهد وزير آخر, وكذا عدم الاستقرار علي فوائد تقويم طلبة الثانوية العامة, ففي إحدي المراحل يكون تراكميا, وفي مرحلة أخري يكون لسنة واحدة أو اثنتين. ولأن التعليم سلسلة متصلة الحلقات من ناحية, واستثمار للبشر من ناحية أخري فإن النهوض به يتطلب بادئ ذي بدء زيادة الاعتمادات المخصصة لقطاع التعليم بما يتطلبه امتداد الإصلاح الحقيقي والمدروس بعناية ودقة إلي كل الجوانب السلبية السابق الاشارة إليها بجميع مراحل التعليم, وأن يتم كل ذلك من خلال استراتيجية ثابتة واضحة المعالم يحددها ويضع ملامحها صفوة من العلماء والمفكرين وخبراء التربية, ويلتزم بها كل من يتولي حقيبة التعليم في مصر, وجميع الأجهزة المختصة بإدارة العملية التعليمية فؤاد جاد المدير العام بوزارة الداخلية سابقا