على الرغم مما أثارته الثورات العربية من تفاؤل فى الغرب في باديء الأمر ، فإن هذه النبرة الاحتفالية تحولت إلى لهجة حذرة متشككة ، ففى الوقت الذى حذرت فيه صحيفة «الجارديان» البريطانية من أن «ربيع العرب» يواجه تهديدا ب«الخسوف»مع عودة المتظاهرين للشارع مرة أخرى. ، تساءلت شبكة »سى.إن.إن« الإخبارية الأمريكية عن كينونة الثورات العربية ، وما إذا كانت »ربيعا عربيا أم صيفا ساخنا بسبب الاقتصاد« ، فيما أرجعت مجلة »الإيكونوميست« البريطانية عدم تجاوز معدل نمو الاقتصاد المصرى خلال العام المالى 2010-2011 نسبة ال1،2% إلى التوتر السياسى الذى تشهده البلاد ، إضافة لتراجع عائدات السياحة إلى النصف مقارنة بمستواها العام الماضى. ففى تقرير موسع خصصته صحيفة »الجارديان« البريطانية للحديث عن تطورات الربيع العربى ، كتب غيث عبد الأحد وجاك شينكير ونور على ومارتين شلوف وإيان بلاك ، وهم مجموعة من مراسلى الصحيفة وخبرائها فى شئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، أن الثورات التاريخية التى امتدت لتشمل العالم العربى هذا العام تواجه خطر الخسوف مع عودة المظاهرات الغاضبة إلى الشوارع ، حيث خرج المحتجون فى مصر وتونس وسوريا فى حشود ضخمة للتعبير عن سخطهم من محاولة الأنظمة القديمة والجديدة على السواء وضع العقبات في طريق التغيير. فقالت الصحيفة فى تقريرها الذى جاء تحت عنوان «القتال لإنقاذ الربيع العربى» إنه بعد ستة أشهر من الإطاحة بأول ديكتاتور فى الربيع العربى- فى إشارة للرئيس التونسى زين العابدين بن على - امتلأت الميادين الرئيسية فى القاهرةوتونس بالاحتجاجات والقنابل المسيلة للدموع ، وبالغضب من رفض الإصلاح من قبل الحكومات المؤقتة ، أما فى سوريا فالاحتجاجات تتواصل مع نبرة متزايدة وغضب ينمو بسبب عجز النظام عن تلبية مطالب الإصلاح». فعن مصر كتبت «الجارديان» أن الآلاف من المتظاهرين نزلزوا إلى الميادين العامة فى جميع أنحاء البلاد وسط مخاوف من أن الثورة التى أطاحت بالرئيس السابق حسنى مبارك قد تمت خيانتها من قبل القوى «المحافظة». أما فى تونس ، فقد عادت العاصمة التونسية مرة أخرى إلى نفس ما كانت عليه قبل سقوط نظام الرئيس السابق بن على ، فقالت الصحيفة : «تبدو وكأن شيئا لم يحدث خلال الستة أشهر الماضية ، قوات الأمن المدججة بالسلاح والكلاب البوليسية تحيط بمجمعات المحتجين الذين يملؤهم الشعور بأن ثورتهم قد ذهبت أدراج الرياح». وفى العاصمة دمشق ، لم يكن الحال أفضل كثيرا ، حيث قالت »الجارديان« إن المظاهرات فى سوريا وصلت لسقف المليونيات مع دخول الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الأسد شهرها الخامس ، مضيفة أنه رغم مقتل العشرات واتساع رقعة الاحتجاجات ، فإن السلطات السورية ما زالت متمسكة بروايتها بشأن وجود عصابات مسلحة تحاول إشعال فوضى فى البلاد على أساس طائفى. ومن «الجارديان» البريطانية إلى ال«سي.إن.إن» الأمريكية التى قالت إن عودة المظاهرات فى مصر وتونس مرة أخرى وما يثيره ذلك من حديث عن تأجيل الانتخابات البرلمانية يشير إلى حالة الإحباط التى يشعر بها المواطنون تجاه ما يعتبرون أنه »تقدم بسرعة السلحفاة« على مسار التغيير الذى انطلق مع الربيع العربى قبل ستة أشهر فى تونس ، متسائلة »هل ما بدأ منذ ستة أشهر كان ربيعا عربيا أم صيفا ساخنا ساخطا بسبب الاقتصاد«؟ وأوضح جون دفتريوس معد ومقدم برنامج «أسواق الشرق الأوسط» فى الشبكة الإخبارية الأمريكية أن السبب فى طرح هذا التساؤل هو أن آمال التغيير كانت عريضة للغاية لدى الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع بعد قيام البائع المتجول محمد البوعزيزي بإحراق نفسه ليأسه من الفقر الذى يعيش فيه، «ولكن ما نشاهده الآن يشبه هوة خطيرة بين واقع ما يمكن أن تقدمه الحكومات والأحلام التى كانت لدى الشباب». ونقل دفتريوس عن مصطفى كمال النابلى محافظ البنك المركزى التونسى قوله إن هذه الهوة تتسع ، وهو لذلك يدعو كافة المستثمرين الإقليميين والعالميين إلى تسريع خطواتهم بجهود الدعم الاقتصادى. وحذر النابل وفى تصريحاته ل«سي.إن.إن» من أنه: «إذا لم نتصرف الآن فسنرى الفشل بعد نجاح الثورات». واختتم المحلل الاقتصادى الأمريكى مقاله بالقول إنه فى غياب حلول ممكنة على الأمد القصير يستمر نضال الشعوب فى سوريا واليمن والبحرين وتونس ، ومن جديد فى ميدان التحرير بالقاهرة. ومن حديث ال«سي.إن.إن» عن ميدان التحرير إلى ما أوردته مجلة «الإيكونوميست» البريطانية عن وضع الاقتصاد المصرى ، فرسمت صورة متباينة ما بين التشاؤم والأمل ، ولكنها أكدت على ربط نمو الاقتصاد بعودة الاستقرار السياسى والاجتماعى. فأوضحت وحدة الأبحاث التابعة لمجموعة «الإيكونوميست» أنه على الرغم من عدم تجاوز معدل النمو خلال العام المالي المنتهي في يونيو الماضي - 2010-2011 - نسبة 1.2% بسبب فترة من عدم اليقين السياسى التى تلت سقوط حكم الرئيس السابق ، فإنها توقعت أن هذه الفترة من عدم اليقين قد تمتد لمدة عامين فقط لعامين تفضى فى النهاية لنظام أكثر استقرارا. وأضافت المجلة فى تقريرها الموسع أنه رغم عدم الاستقرار المحتمل فى مصر نتيجة لارتفاع البطالة وتراجع الأحوال المعيشية للمواطنين والاضطرابات الاجتماعية ، فإن الحكومة المؤقتة الحالية ستسعى لتثبيت الاقتصاد وتوفير السلع الأساسية وخلق الوظائف ، متوقعة أن يستمر النمو معتدلا في 2011-2012 ليصل إلى 4.6% ، خصوصا أن النصف الأول منه سيكون ضعيفا مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق الذي شهد نموا بلغ 5.1% ، على أن يستعيد النمو قوته ويتعافى بداية من النصف الثانى من 2012.وأكدت «الإيكونوميست» أنه إذا مرت المرحلة الانتقالية بنجاح وأسفرت عن انتخاب رئيس مدنى ، فإن بعض سياسات الإصلاح الاقتصادى قد يتم إحياؤها ، وإن كانت الدعاوى القضائية المرفوعة حاليا ضد بعض حالات خصخصة الشركات العامة فى عهد الرئيس السابق وما شابها من فساد قد تعرقل -بحسب المجلة - استعادة هذا المسار.