"مين مع مين ضد مين".. عنوان لافتة تستقبلك عند دخولك إلى ميدان التحرير من جهة المتحف المصرى لتلخص الحال الآن بين المعتصمين، حيث السيولة الشديدة فى الأهداف والمطالب، وإحساس طاغ بعدم الثقة فى الوعود المقطوعة، وخلافات حادة فى الرأي. وأخيرا أمور تجرى فى الخفاء ، إيجابا أو سلبا، لكنهم يستمسكون باستمرار الاعتصام، طالما أنه يوحدهم على المطالبة بتسريع محاكمة الرئيس المخلوع وزمرته، وصيانة حقوق شهداء ومصابى الثورة، وغيرهما من المطالب التوافقية. ولأن شأن الميدان يهم كل مصري؛ هذه محاولة جادة لفهم موضوعى لما يدور فيه. سوف تقابل هنا أعضاء فى حركة 6 أبريل، وخارجين عليها، وكلهم معتصمون. كذلك ستقابل من ينسب نفسه إلى الإخوان المسلمين، مؤكدا أنه يختلف معهم فى قرارهم بعدم المشاركة. يقول عبدالتواب محمد على (من شباب الإخوان الجدد كما قال) :«كان يجب على الإخوان أن يشاركوا فى الاعتصام حتى يفوتوا الفرصة على مخالفيهم فى نقدهم أو تجريح موقفهم«. خروج على الميثاق لعلاج هذه المشكلة، حاول الثوار الحقيقيون الحفاظ على روح الميدان التى أشاد بها العالم من خلال ما أعلنوه من »ميثاق التحرير« منذ يوم الخميس الماضي، وينص على ستة مبادئ هى :«الحرص على استعادة أخلاق الميدان وروحه من وحدة وترابط وتغليب للمصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والشخصية، وعدم رفع أى لافتات حزبية أو ائتلافية أو أى جماعات أو مؤسسات ، والتركيز على المطالب التى تم التوافق عليها من الجميع وعدم رفع أى مطالب خلافية، وعدم تخوين أى فصيل أو رموز أو هيئات، ، وضبط النفس، وعدم الانسياق لأى استفزاز، والحفاظ على سلمية الثورة«. لكن تم ضرب عرض الحائط بهذا الميثاق من خلال عشرات الأحزاب والجماعات والمؤسسات والتشكيلات الشبابية والسياسية التى رفعت قضايا ومطالب فئوية وخاصة وعامة أيضا. فعلى بعد خطوات من هذا الميثاق الذى يحتضنه مجمع التحرير تطالع خيام أحزاب العدل، والتجمع والمحافظين، والجمهورى الحر، والجمعية الوطنية للتغيير، وحركة كفاية، وفى وسط الميدان تقابلك خيام »حركة 6 أبريل، والمناوئين لها من داخلها، وأحزاب الغد والوفد ولجبهة الديمقراطية. سوف تلحظ أيضا نشاطا وافرا لأحزاب تبحث عن الشرعية فى ميدان التحرير مثل حزب التنمية والنهضة (تحت التأسيس) الذى اتخذ شعار :«عين على المصنع.. عين على الميدان«.، وحزب التحالف الشعبى الاشتراكى (تحت التأسيس) كذلك الذى رفع شعارات فى أكثر من مكان تقول :« الإنسان قبل الأرباح«، و«حد أدنى وحد أقصى للأجور«، و"لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين". المجمع ..بالألوان برغم أن مجمع التحرير كان مغلقا يوم الجمعة باعتباره يوم العطلة الرسمية إلا أن لافتة :«المجمع مفتوح بأمر الثورة« ظلت مرفوعة على أبواب المجمع الموصدة، الذى باشر أعماله أمس السبت، فيما نام معتصمون فى ظلاله .. عن اليمين والشمال. المجمع مختلف هذه المرة فقد صارت حوائطه المكان المفضل للرسوم والعبارات التى تعبر عن الرأي، وهو أمر كان يتحاشاه الثوار خلال أيام الثورة إلا أن المعتصمين كتبوا يقولون :« للثورة ثوار يحمونها«.. و«الشعب والشعب إيد واحدة«، علاوة على مطالبات يراها الكثيرون متطرفة، برحيل المجلس العسكرى فورا، وعقد محاكمات ثورية وعلنية لقتلة الثوار ورموز الفساد .. إلخ. القاسم المشترك بين اللافتات فى الميدان تطالب بالقصاص للشهداء، وأخذ قاتليهم بعدم الرأفة، ولكن أسر الشهداء آثرت التجمع فى خيام متقاربة، من ناحية شارع القصر العيني، وآثرت الاحتفاظ بسرية حركتها بعيدا عن المعتصمين فى الميدان.. آية ذلك اجتماع عقده الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء مساء الخميس الماضى معهم، وخصوا »الأهرام« بالكشف عن تفاصيله. تقول السيدة سها سعيد زوجة الشهيد أسامة أحمد: »قلنا لشرف لا نريد تعويضات ولا مصالحات، ولا تسويات مالية فنحن لن نتاجر بدماء الشهداء، وما نطالب به هو القصاص العادل، فمن قتل يُُقتل، ونحن نطالب بوضع الضباط المتهمين بقتل الثوار رهن الحبس الاحتياطي.. وهذا موقفنا: لن نفض الاعتصام قبل أن يتم وضع القتلة فى الزنازين«. وحسب رواية الأهالى ل«الأهرام«؛ وعد عصام شرف بدراسة مطالبهم، ووعد بالاستجابة لها وإلا فإنه سيستقيل خلال 48 ساعة. والدة الشهيد معاذ السيدة محمد كامل تقول :«نرفض التسوية المالية مع القتلة، فدم أبنائنا ليس رخيصا«، مشيرة إلى أن معاذا استشهد بميدان التحرير فى جمعة الغضب بأربع طلقات خرطوش فى جسده.. لذلك تعتصم. أما زوجة الشهيد وليد عبد الفتاح فتتعجب من أن أمين الشرطة الذى قتل زوجها، واسمه محمد السني، صدر بحقه حكم الإعدام وبرغم ذلك لم يتم القبض عليه، وما زال هاربا، ويتحدث للصحف من وقت لآخر! من المعتصمات أيضا والدة الشهيد أحمد عيد.. تقول :«كان يؤدى خدمته الوطنية بالأمن المركزى فى المنيا، ولما رفض تنفيذ الأوامر بضرب المتظاهرين، قتله الضابط علاء فهمي، ولم يُحاكم حتى الآن، برغم بلاغ تم تقديمه إلى النائب العام. »إذا لم يتم تنفيذ مطالبنا لن نترك الميدان، وسنأخذ ثارنا بأيدينا« يقول بتحفز ياسر عبد العال شقيق الشهيد غريب عبدالعال. الموقف نفسه يعبر عنه والد الشهيد محمد مصطفى إذ يقول :«إحنا مشينا مع القانون حتى النهاية وأنا مصاب عمليات حربية، وسآخذ بثأر ابنى إن لم تتم المحاكمة بأسرع وقت«. فى خيمة المصابين خيمة أخرى مجمعة أقامها مصابو الثورة إلى جانب خيمة أهالى الشهداء، واتخذوا لهم متحدثا فى الميدان باسمهم هو أشرف محمد حافظ الذى يقول :«اجتمعت بنا السيدة بانسيه المنتدبة من وزارة المالية لمجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضي، ووعدت بتقديم رعاية صحية واجتماعية للمصابين، واستكمال علاجهم، وتأسيس مشروع كبير لتشغيلهم لكنه يتساءل: لماذا لا تكون هناك أسهم للمصابين فى المشروع، ولماذا لا يتم تحديد فترة زمنية لتنفيذه، علما بأنه قد يستغرق عاما كاملا«. ويستدرك :«إلى أن يتم ذلك هل نأكل الطوب.. إن معظم المصابين هم الذين يعولون أسرهم، وتحتاج كل أسرة الآن إلى معاش أو إغاثة مالية شهرية لتدبير أمور حياتها«. أما قيامهم -يضيف- بصرف خمسة آلاف جنيه لأسرة كل مصاب فلا يكفي، ويجب أولا عمل دراسات للحالة الاجتماعية، فهناك من يحتاج إلى مبالغ أكثر من ه آلاف جنيه لتدبير أموره وأسرته«. على بعد خطوات إلى اليمين فى الطريق إلى مسجد عمر مكرم نصب أعضاء »الإئتلاف الإسلامى الحر« خيمة لهم مطالبين بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأى ، وعددهم ثمانون حاليا، ممن أدينوا فى محاكمات عسكرية أو أمام محاكم استثنائية، مطالبين بإعادة محاكمتهم أمام القضاء المدني.ويشكو سيد فرج المحامى من التعتيم الإعلامى الذى يتعرضون له. فيما كشفت مصادر من داخل الاعتصام ل »الأهرام« عن وساطة لتلطيف الأجواء بين الداعية صفوت حجازى وبعض شباب الثورة، بعد ما حدث من تلاسن بين الطرفين فى الأسبوع الماضى على خلفية مطالبته لهم بفض الاعتصام، وهو ما أغضبهم بشدة. مطالب فئوية ما أكثر المطالب الفئوية هنا. لم يكن ذلك يحدث فى الاعتصامات السابقة . من ذلك حركة إنقاذ الأسرة تحت عنوان«ثورة رجال مصر« التى تطالب بتعديل قانون الرؤية والاستضافة، داعين إلى قانون عادل للأسرة المصرية. وحركة »لكل العاطلين« التى تواجدت بالميدان داعية إلى حل مشكلة البطالة. ومن طرائف الباعة والعاملين الجائلين »حلاق الثورة« الذى تواجد وسط المعتصمين للحلاقة لهم تحت عنوان :«احلق لى شكرا«. رحلة اللافتات من اللافتات المرفوعة :«اللهم بلغنا رمضان ومبارك فى قفص الإعدام »، و«صدق أو لا تصدق :« ثروة سكرتير مبارك 7 مليارات جنيه، وثروة مبارك 41 مليون جنيه«، ومطالب بتكريم اللواء البطران، وشرفاء الداخلية، والقصاص من قتلة شهداء الثورة، والشعب يريد عدم مشاركة بقايا النظام القديم والحزب الوطنى (المنحل) فى الحياة السياسية والحزبية.. والشفافية مع الشعب قبل اتخاذ القرارات وسن القوانين، علاوة على مطالب بمحاكمة مبارك، ومطلب للنائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بضم أنس الفقى وزير الإعلام السابق إلى المتهمين بارتكاب موقعة الجمل.