الديمقراطية ليست نظاما للانتخاب فقط, ولا هي عملية اختيار بين برامج وخيارات متعددة فقط, ولا هي عملية الحوار العام في المجتمع بأدواته المختلفة من أحزاب وجماعات مدنية للبحث عن الكيفية التي تمثل فيها مصالح الموطنين وتعمل علي كفاءة الدولة وقدرتها علي تحقيق الأهداف الوطنية; هي مع كل ذلك عملية للتدبر والبحث والتفكير والبعد عن الوقوع في فخاخ العشوائية السياسية, والشعبوية الفكرية, والديماجوجية التي تشتت أذهان المواطنين وتصرفهم عن الحكمة في الاختيار والسير وراء كل ما يدفع إلي الحماس وليس القرار السليم. صناديق الانتخابات هي في النهاية وسيلة للوصول إلي القرار حينما يجد المواطن علي طاولته ما يختار منه, والأهم يوجد لديه الوقت وسلطة القرار الفردي الذي لا يجعله أسير رؤي جماعية أو جماهيرية تسيرها النوازع أكثر مما تحركها العقول. والبرلمانات, وهي المعمل والمفاعل الاساسي للديمقراطية, ووجدت لكي يقوم ممثلي الأمة بالمهمة التي يوكلهم فيها الشعب ولكن بعد تداول في الجان, واستماع من الخبراء, وطرح الرأي والرأي الآخر, وبعد ذلك يكون للأغلبية السياسية حق تمثيل العقل الجماعي للأمة. ثورة يناير قامت لكي ترفض نظاما ظل علي مقاعده طويلا, وجانبته الحكمة لأن تمثيل الأمة كان تمثيلا بالمعني الفني والمسرحي للكلمة, وليس تمثيلا بالمعني السياسي. ما يمكن تصوره علي هذا الأساس هو الاندفاع نحو صناديق الاقتراع حتي ينتخب برلمان الثورة ويقوم بالمهام الذي تري الثورة أنها ذات الأولوية والتي تحتاج إلي إنجاز علي الطريقة الديمقراطية حقا, وليس علي طريقة ديمقراطية الحزب المسيطر. ما ليس مفهوما أن يجري الضغط لكي يتم تأجيل الانتخابات, وحجب تشكيل مجلس الشعب, بينما يجري تقرير مصير قرارات كبري عن طريق الشارع مباشرة وليس من خلال عملية دستورية وديمقراطية تدور فيها عملية التداول ليس للسلطة وحدها, وإنما في القرارات التي تسير الحكومة والمجتمع والدولة. في كتب الطغيان والاستبداد والديكتاتورية; كما يوجد قصص لا نهاية لها عن أفراد وأحزاب استبدت وطغت وأخذت بلادها إلي الهاوية في ألمانيا والاتحاد السوفيتي وإيطاليا واليابان وعشرات من الدول والممالك; فإن هناك فصولا أخري كاملة عن طغيان الأغلبية والشارع والميدان الذي قد يأخذ بلادا عن الطريق الذي اختارته منذ البداية وهو إقامة الديمقراطية السليمة. هل كان ذلك شعار ثورة يوليو؟ أظن كذلك؟!. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد