لا يحدد الإعلان الدستورى المؤقت موعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد لأنه يأتى فى نهاية العملية السياسية التى تبدأ بانتخاب البرلمان بمجلسيه. ووفقا لمسار هذه العملية، يقوم البرلمان بانتخاب جمعية تأسيسية تضم مائة عضو لإعداد مشروع الدستور الجديد ثم طرحه على الشعب فى استفتاء عام. وعندئذ تبدأ إجراءات الترشح لمنصب الرئيس. ولذلك لم يكن ممكنا تحديد موعد انتخاب الرئيس عند إعداد الإعلان الدستوري. ومازال صعبا توقع هذا الموعد الذى يتوقف على فترة إعداد مشروع الدستور الجديد. ولذلك تختلف الاجتهادات بشأن هذا الموعد وتتراوح بين أواخر العام القادم 2012 وأوائل العام التالى أى 2013. ويعنى ذلك أن المرحلة الانتقالية لن تنتهى بالكامل قبل عام ونصف العام على الأقل، وربما تمتد إلى أبعد من ذلك، على نحو قد لا ينسجم مع مقتضيات التطور الديمقراطى الطبيعي، فضلا عن أنه يتعارض مع رغبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى إنهاء هذه المرحلة فى أسرع وقت ممكن. صحيح أن انتخاب البرلمان وتشكيل حكومة جديدة منسجمة معه ومعبرة عن الأغلبية فيه يعتبر خطوة كبيرة باتجاه تجاوز المرحلة الانتقالية ويخفض العبء الذى يتحمله المجلس الأعلى الآن. ولكنه لا ينهى الوضع الانتقالى بشكل كامل. ولذلك يتطلب الأمر تفكيرا جديدا فى خطوات العملية السياسية ضمن إطار المسار الذى حدده الإعلان الدستورى بحيث يمكن تقديم موعد انتخاب رئيس الجمهورية. والفكرة، هنا، هى أنه يمكن الشروع فى إجراء الانتخابات الرئاسية فى حالة التوافق على شكل النظام السياسى الذى سيتضمنه الدستور الجديد دون حاجة إلى الانتظار حتى إصدار هذا الدستور. فمن الصعب، وغير المنطقي، ابتداء أن ينتخب الشعب رئيسا لا يعرف أحد موقعه فى النظام السياسى وبالتالى السلطات التى ستكون مخولة له، لأن الأمر يختلف فى النظام الرئاسى عنه فى النظامين البرلمانى والمختلط. وهذا هو ما يفرض إرجاء انتخاب الرئيس إلى أن يصدر الدستور الجديد الذى سيحدد شكل النظام السياسى فى مصر الجديدة البازغة. ومع ذلك يجوز تقديم موعد انتخاب الرئيس إذا أمكن التوافق على شكل هذا النظام فى بداية عمل اللجنة التأسيسية التى ستضع مشروع الدستور الجديد، بحيث يمكن البدء فى الإجراءات اللازمة لفتح باب الترشح ثم الانتخاب بالتوازى مع استكمال هذه اللجنة لعملها. وعندئذ يتزامن تولى الرئيس الجديد مهامه مع إصدار الدستور. ويمكن أن يحدث قبل منتصف العام القادم فى حالة تفاهم الأحزاب والقوى السياسية أو أغلبية كبيرة بينها على إجراء الانتخابات البرلمانية فى موعدها ووجود توافق على المبادئ الأساسية للدستور الجديد. فهذا التوافق يحل الكثير من المشاكل المتعلقة بمستقبل مصر الديمقراطية، وليس فقط بالمرحلة الانتقالية. وقد يشمل هذا التوافق المبتغى تفاهما على جدول زمنى مبتكر يبدأ بإجراء الانتخابات البرلمانية فى موعدها بحيث يتم فتح باب الترشح لها فى سبتمبر وإجراؤها فى نوفمبر، على أن يجتمع البرلمان الجديد قبل أول ديسمبر وينتهى من انتخاب الجمعية التأسيسية قبل نهاية العام. ويحتاج إعداد مشروع الدستور الجديد إلى ستة أشهر، على أساس أن الجمعية التأسيسية لن تضعه فى غرفة مغلقة بل سيستمع أعضاؤها إلى الشارع وينزلون إلى المحافظات لعقد لقاءات أو ما يمكن تسميته (جلسات استماع) لمعرفة ما يفكر فيه الناس ولإشراكهم فى تحديد الخطوط العامة لهذا الدستور. غير أنه بدلا من الانتهاء إلى أن يتم إعداد مشروع الدستور فى يونيو 2012 مثلا، وطرحه للاستفتاء فى يوليو أو أغسطس، وإجراء الانتخابات الرئاسية بعد ذلك، يمكن التوافق على أن تبدأ الجمعية التأسيسية عملها بالفصل الخاص بالنظام السياسي، وأن يكون شكل هذا النظام (برلمانى رئاسى مختلط) هو الموضوع الأول الذى تبحثه وتنتهى منه. والمفترض أن تكون هناك شفافية تامة فى عمل الجمعية التأسيسية. ولذلك سيكون معروفا للجميع، فى هذه الحالة، شكل النظام الذى سيتضمنه الدستور الجديد فى موعد يتراوح بين آخر يناير وأوائل فبراير. ويمكن عندئذ فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، حيث سيكون معروفا للراغبين فى خوضها وللناخبين موقع الرئيس الذى سيتم انتخابه فى النظام السياسي. وفى ضوء التوافق العام الموجود الآن بالفعل على أن يكون النظام السياسى المصرى الجديد ديمقراطيا، لن يكون صعبا التفاهم على شكله. فسواء اتفقنا على نظام رئاسى أو برلمانى أو مختلط، فالمهم هو أن يكون ديمقراطيا. فالديمقراطية هى الثابت، بخلاف شكل النظام الذى يقوم عليها. وكم من دول ديمقراطية انتقلت من نظام برلمانى إلى مختلط أو رئاسى دون أن يؤثر ذلك فى الطابع الديمقراطى لهذا النظام. ولن يكون صعبا، كذلك إذا حسنت النوايا، أن يتفق أنصار النظامين الرئاسى والبرلمانى على نظام مختلط وفق صيغة أقرب إلى الحالة الفرنسية الراهنة التى تحقق فضيلة الفصل بين السلطات بالإضافة إلى توزيع السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وبالتالى تجنب تركزها فى يد واحدة. وأيا يكن شكل النظام الذى يمكن أن نتوافق عليه عبر حوار جاد يبدأ من الآن وتوضع نتائجه أمام الجمعية التأسيسية التى ستضع مشروع الدستور الجديد، فالمهم هو أن هناك إمكانية لتقديم موعد الانتخابات الرئاسية بحيث يتولى الرئيس الجديد مهامه بالتزامن مع إصدار هذا الدستور وليس بعده بأشهر بحيث نسدل الستار على المرحلة الانتقالية بشكل كامل فى موعد قد لا يتجاوز منتصف العام القادم. المزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد