في وقت انسدت فيه كل الطرق أمام التغيير الحقيقي في مصر قبل ثورة يناير, كان القضاء المصري حسب مجلة الايكونوميست الأداة الوحيدة تقريبا للتغيير. ورغم أن هذا القضاء بطيء ومجهد إلي أقصي حد, إلا أنه كما يقول الباحث الأمريكي ناثان براون- أضحي قبلة المصريين الراغبين في الحصول علي العدالة. ولذلك عندما يتعامل البعض بخفة, ودون علم, مع القضاء مطالبين مرة بتطهيره, وأخري بمحاكمات ثورية تتجاوز القضاء العادي زاعمين( حركة6 أبريل) وجود مؤامرة علي مصر الثورة يتعاون علي تنفيذها بعض القضاة, فإن هناك حاجة لأن يعيدوا قراءة تاريخ القضاء والعدالة في مصر. إن من يتحدث عن محاكم ثورية, عليه أن يقرأ سطورا قليلة عن مآسي بل كوارث تلك المحاكم في خمسينيات القرن الماضي عقب ثورة يوليو, عندما كانت الأحكام عشوائية وانتقامية, ولم يكن يتم اخطار المتهم بالاتهامات إلا قبل الجلسة بأربع وعشرين ساعة, ولم يكن الاستئناف مسموحا به. فهل هذا مانريده للثورة التي قامت من أجل الحرية والعدالة؟ وإذا كنا واثقين من ارتكاب رموز النظام السابق جرائمهم, فلماذا لا نترك للقضاء الطبيعي الفرصة لكي يحكم بالعدل ؟ وإلي كل من ينتقد بطء محاكمات مبارك وأسرته, نسألهم: هل تريدون أن تكون المحاكمة علي غرار ما جري في تونس عندما صدر حكم السجن ضد بن علي في جلسة واحدة, جعلت العالم كله يسخر من هذه المحاكمات؟ وهل تريدون ألا يعترف العالم بالأحكام الصادرة, فلا تعود الأموال المنهوية في الخارج؟ أم أنكم لا يعنيكم الأمر ؟ ثم إن العدالة بطيئة في كل الدنيا, ونظرة سريعة إلي المحاكمات الدولية, تؤكد ذلك, فقد ظلت الجنائية الدولية تحاكم زعيم الصرب ميلوسيفيتش منذ2001 إلي أن مات في مارس2006, قبل أن يصدر حكم ضده. ومن يشتكي من بطء المحاكمات, عليه أن بتابع بعض القضايا العادية في أوروبا وأمريكا التي تستغرق سنوات, فما بالك بقضايا معقدة ذات طابع سياسي واقتصادي وجنائي؟. لكن هوجة الاعتداء علي القضاء لم تكن لفظية فقط, فقد شهد الأسبوع الماضي تخريج جماعة الإخوان دفعة جديدة من القضاة العرفيين بالشرقية في عودة إلي عصور ما قبل الدولة المدنية التي يعد القضاء الحديت والمستقل أحد أعمدتها. والسؤال: هل للدولة أي علاقة بهؤلاء القضاة الذين رددوا شعار الجماعة, بينما هم سيتعاملون مع قضايا تتعلق بأفراد الشعب جميعا, إخوانا كانوا أوغيرإخوان. وهل هذا مقدمة لشرطة عرفية مثلا؟ وليس هناك أفضل دفاع عن القضاء ضد كل من يحاولون تكبيله أو استخدامه لإغراضهم, سوي ما قاله المستشار فتحي صادق رئيس جنايات القاهرة: أنا ملتزم بالقانون ولن أتأثر بميدان التحرير. المزيد من أعمدة عبدالله عبدالسلام