يعتصر الرأي العام ألما أمام محاكمات رموز فساد النظام علي خلفية بطء وتيرة اصدار الأحكام.. هناك جرح عميق لن يندمل إلا بسرعة تواكب ما يعانيه الشارع من هموم. تسيطر علي الناس مشاعر متناقضة ومخاوف من بعض الأحكام القاضية ببراءة الرموز الفاسدة. وأصبح بداخلهم بركان يغلي يطالب بقصاص عادل. الشكوك بدأت تساورهم تجاه العدالة في وقت لا يحتمل فيه الشك واقتصاد المصداقية. لدي المستشار عبدالراضي ابوليلة رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة يقين بأن احكام البراءة التي صدرت بحق بعض المتهمين وانطوت علي نقد الرأي العام جاءت من منطلق ثورة الغضب العارمة التي تلف الشارع ورغبته الجامحة في التشفي والانتقام ممن عاثوا فسادا وهذا حقهم. وقال: أتصور صوب هذا الاتجاه ان يكون لرئيس محكمة استئناف القاهرة دور مهم يمكن من خلاله اعادة صياغة المحاكمات بأن يتم تحويل القضايا التي تنظرها الدوائر الجنائية إلي الدوائر الجنائية إلي دوائر مدنية.. حتي تتاح أمامها الفرصة لاحتواء الغضب العارم في الشارع, ورغبته في القصاص العادل. ويستطرد إذا كان قد تكشف للدوائر التي تنظر المحاكمات ضعف دليل الاثبات فإنه يتعين عليها في ظل ضعف توثيق النيابة العامة لأدلة الاتهام ان تعيد التحقيق فيه مرة أخري من وجهة نظرها.. تحقيقا دقيقا يقوي دليل الاثبات. ولذلك في تصوري ان احكام البراءة التي صدرت مؤخرا في بعض القضايا.. كان يجب علي المحكمة التروي فيها احتراما لمشاعر الرأي العام لتقضي بالادانة وعلي المتهم الطعن بالنقض وإذا قبل طعنه واعيدت محاكمته أمام دائرة أخري.. فتكون المشاعر قد هدأت حدتها ويمكن للشارع قبول البراءة إذا ما صدر حكم بها. وذهابي لهذا الاتجاه ليس بجديد والكلام لرئيس محكمة جنايات شمال القاهرة فقد حدث أيام التحقيق في جنايات القتل عندما كنت وكيلا للنيابة.. وكنا علي يقين عبر التحقيق بأن المتهم الماثل أمامي برئ ورغم ذلك كنا نقرر حبسه حفاظا علي حياته. لم يقبل المستشار السيد عبدالعزيز عمر رئيس محكمة استئناف القاهرة ما ذهب إليه البعض فيما يتعلق باحكام البراءة لبعض المتهمين قائلا القاضي أمامه أدلة ووثائق يقضي من خلالها ويبني احكامه في هذا الاتجاه ولا يجب عليه عدم الاخلال بقواعد القانون ويقضي بالادانة دون سند أو دليل كون ذلك فيه أهدار لحقوق المتهم وعدالة المحكمة, وقدسية القضاء وايمان القاضي بالله ليس من مصلحة أحد القبول بمبدأ الظلم كون ذلك يهدم المجتمع. لن يرضخ القضاء المصري لأي ضغوط حتي يغير من معتقداته وثوابته وستظل عدالته عنوانا للحقيقة.. نعلم ان الشارع لديه رغبة جامحة في القصاص ولكن يجب الا يكون ذلك علي حساب العدالة.. لابد للعدالة أن تأخذ مجراها وتتحقق مصلحة المتهم في الدفاع عن نفسه. وعندما تصدر المحكمة أي محكمة البراءة في قضية فإنها تتحقق من كل الأدلة التي توجد بحوزتها ويمكن لها الأخذ بما فيها من عدمه هناك رؤية عادلة تتحرك من خلالها ولا يجب لأحد أن يشكك فيها. المحاكمات تسير علي وتيرتها والكلام مازال علي لسان رئيس محكمة استئناف القاهرة ولا يمكن الخروج علي مقتضيات العدالة تحت دعوي ارضاء الرأي العام.. فهذا الأرضاء ضمير أي قاض ولا تقبله العدالة. والمطالبات التي تنادي بتصوير المتهمين عبر وسائل الإعلام كلام لا يستند لحقيقة.. لأن المحاكمات علنية بطبيعة والحال والسماح بتصويرها اعلاميا يهدر كرامة المتهم وحقوقه إذا ما قضي ببراءته. يتعجب المستشار عبدالمنعم السحيحي الرئيس باستئناف القاهرة ورئيس نادي قضاة طنطا مما يثار حول براءات صدرت بحق بعض المتهمين قائلا لا أحد يعرف حتي اللحظة كيف تعاملت المحكمة مع القضية والاسباب التي استندت عليها في اصدارها لحكمها القاضي بالبراءة. ما نراه الآن ونسمعه من تعليقات شيء يدعو للدهشة ويهز هيبة القضاء ليس من حق أحد ان يعلق علي احكام القضاء علي هذا النحو الذي يدعو للقلق خشية علي سمعة القضاء الذي يلوذ إليه أصحاب المظالم. نعلم ان الشارع يكتوي بنار الفساد ولديه مطلب أساسي في القصاص والقضاء يعمل علي ذلك وفق منهج يقضي بتحقيق العدالة ويصون حقوق المتهمين ولا يعرض العدالة لأن تكون فريسة الخضوع لتأثير الرأي العام.. خاصة أنه مازال يخضع لتهديد تطبيق العدالة نتيجة عدم تأمين جلسات المحاكمات التي تجري في الدوائر المختلفة.. الاسراع بلا شك يهدد سمعة العدالة ويضعها علي حافة الخطر. ان مسألة التعامل مع القضايا الجنائية عبر الدوائر المدنية مسألة غير مقبولة وتعرض حقوق المتقاضين للخطر.. لأن لكل محكمة طبيعة عمل تختلف عن الأخري.. رغم أن العقيدة واحدة والمبدأ متأصل في نفوس الجميع بتحقيق العدالة دون النظر إلي تفاصيل أخري.. القضاء المصري دائما يحترم ويقدس التخصص وهذا في صالح المجتمع. يميل الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة ورئيس نادي قضاة طنطا إلي العلانية في المحاكمة عبر وسائل الإعلام كون ذلك يهدئ من روع الرأي العام فيما يدور داخل قاعات المحاكم وليس فيه ما يضر بمصلحة المتهم في أي مرحلة من مراحل التقاضي ويقضي علي كل اللغط في الشارع نحن في ظل ظروف استثنائية يجب التعامل معها بنوع من الحكمة, رغم ان هناك قرارا قد صدر من المجلس الأعلي للقضاء بعدم إذاعة المحاكمات عبر وسائل الإعلام.. لكن لدينا واقع مختلف يدفع القضاء في مواجهة مع الرأي العام وما يحدث لن يكون في صالح العدالة.