يعلن اليوم رسميا ميلاد دولة جنوب السودان أحدث دولة أفريقية والعضو رقم 193 فى منظمة الأممالمتحدة وسط تفاؤل شعبى ورسمى فى الجنوب بإمكانية تأسيس دولة مستقرة آمنة تتعاون مع جيرانها وتستطيع أن تتجاوز التحديات الهائلة المحيطة بها، والمشكلات الضخمة التى فرضتها الحرب الأهلية التى استمرت عقودا من الزمن. وأعربت كثير من القيادات الجنوبية والمواطنين الذين إلتقاهم "الأهرام" عن فرحتهم العارمة بإعلان الاستقلال الذى إعتبروه تتويجاً لمسيرة طويلة من الكفاح والنضال وإنهاءًا لمعاناة مريرة تكبدها أهل الجنوب وسنوات من الألم والتشرد والنزوح واللجوء والتشتت. وقالوا أنهم يأملون أن تكون دولتهم على علاقة طيبة بكل دول جوارها ومنطقتها، لكنهم لم يخفوا قلقهم من المشكلات الداخلية أو الخارجية وخاصة فيما يتعلق بعلاقتهم المتوترة مع شمال السودان. وقد شهدت مدينة جوبا وأنحاء الجنوب المختلفة أمس إحتفالات ومسيرات شعبية وصلوات دينية فى الساحات العامة إحتفالا بالدولة الجديدة، وتوالت أعمال تزيين المدينة لإستقبال الزعماء والقادة وشخصيات دولية وإقليمية المنظمات الدولية والإقليمية، يصلون إلى حوالى 600 شخصية دولية وفقا لما أكده عابدون أقاو الأمين العام لحكومة جنوب السودان ورئيس اللجنة المنظمة للإحتفالات ،ومن بينهم 30 رئيس دولة أفريقية والأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون .وسيعلن إستقلال الدولة الجنوبية اليوم من داخل الميدان الذى يضم ضريح زعيم الحركة الشعبية الراحل الدكتور جون قرنق ,وقد أغلق مطار جوبا أمس أمام رحلات الطيران العادية ،لإستقبال طائرات الوفود الرسمية ،وقد وصل إلى مطار جوبا مساء أمس الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء ورئيس الوفد المصرى يرافقه وزراء الخارجية محمد العرابى والكهرباء والكهرباء الدكتور حسن يونس ،وصرح السفير محمد مرسى عوض مساعد وزير الخارجية ومدير إدارة السودان :أن مصر استكملت الإجراءات الخاصة بالإعتراف بدولة جنوب السودان ،وأنه بمجرد إعلان الإستقلال ستتحول القنصلية المصرية فى الجنوب إلى سفارة ،وأكد حرص مصر على إقامة علاقات متميزة مع دولة الجنوب . ومن جانبه أكد السفير محمد الخمليشى الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية ورئيس وفدها للإحتفال :إن الرسالة التى أردنا توجيهها بمشاركتنا فى الإحتفال بإعلان إستقلال دولة جنوب السودان أننا نتمنى لها التقدم والإزدهار ،وأن يعم الأمن والسلام فى السودان عامة شماله وجنوبه ،وأن يسود الدولتين السلام ،بما يتيح نهضة شاملة فى جميع المجالات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية ،والجامعة العربية ستدفع فى هذا الإتجاه ،آملة فى أن تحقق إستقطابا جديدا ،وإستثمارات عربية واعدة فى الجنوب هى الضمان الأساسى للإستقرار ،ومن المعروف أن إهتمام الجامعة العربية بجنوب السودان ليس حديثا أو وليد هذه الساعة ،بل هو قائم منذ سنوات ،وقد شاركت الجامعة فى بعض المشروعات بجنوب السودان ،آخرها مشروع المشتشفيات المتنقلة ،التى وزعت على أقاليم الجنوب ،كما توالت زيارات مسئولى الجامعة للجنوب ،كما كانت الجامعة شاهدة ومشاركة ومتابعة لتنفيذ إتفاق السلام السودانى ،وستستمر فى مواكبتها ومشاركتها فى كل مايتعلق بإستقرار الجنوب وأمنه ودفع التنمية الإقتصادية فالسودان شماله وجنوبه ،وأكد عزم الجامعة على عقد المؤتمر العربى الثانى بشأن إعادة إعمار وتنمية الجنوب ،والذى كان مقررا عقده فى المنامة . وقال الخمليشى :سيظل موقف الجامعة العربية مرحبا بإنضمام دولة الجنوب لعضويتها،ولاتعارض الدول العربية ذلك ،لكن ذلك يجب أن يكون بطلب من حكومة دولة الجنوب ،وأمر يتوقف عليها ،وسنعمل على لعب دور فى تذليل حل المشكلات بين الشمال والجنوب ،خاصة قضية أبيى والحدود والروابط الإقتصادية والإجتماعية ،فهناك جنوبيين فى الشمال وشماليين فى الجنوب ،والمشكلات لن تحل بمجرد إعلان إستقلال دولة الجنوب ،بل يجب حل كل هذه المشكلات بمعالجات موضوعية هادئة وحوار موضوعى وروح أخوية . وقد أجاز المجلس التشريعى لجنوب السودان الدستور الإنتقالى الذى سيدير الدولة الجديدة خلال السنوات الأربع القادمة ،ومنح الدستور الجديد صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية ،من بينها إقالة حكام الولايات وتعيينهم ،بجانب تعيين أعضاء جدد للمجلس التشريعى الحالى الذى سيتحول إلى برلمان إنتقالى إعتبارا من يوم غد الأحد ،واعتمد الدستور نظام حكم لامركزى لإدارة الجنوب ،وقد أعلن المجلس التشريعى إستقلال الجنوب من داخل البرلمان أمس قبل يوم من الإعلان الرسمى للدولة . وسيصل الرئيس السودانى عمر البشير إلى جوبا اليوم ويوجه مع رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت خطابا إلى الشعب الجنوبى ،وكان قد سبقه إلى جوبا من القيادات الشمالية الدكتور حسن الترابى زعيم حزب المؤتمر الشعبى ،والصادق المهدى رئيس حزب الأمة ،قد أم المهدى صلاة الجمعة فى المسجد العتيق بجوبا وأعرب مايكل ميلى حسين وزير التربية والتعليم فى حكومة جنوب السودان عن سعادته وسعادة شعب الجنوب السودانى كله بهذه اللحظة التاريخية ليس فقط للاستقلال الذى كان نتيجة نضال وتضحيات كبيرة ولكن لأن ذلك يعنى طى صفحة المشكلات والموت والجوع والدمار ، ونأمل أن يكون ذلك الحدث الكبير اليوم بداية لصفحة جديدة ومستقبل مشرق . وأكد وزير التربية والتعليم أن استقلال الجنوب لن يكون – رغم ذلك – نهاية العالم أو نهاية المطاف مع أخوة شمال السودان قائلا إن سور برلين سقط وتوحدت ألمانيا رغم الحروب ، ولو خلصت النيات لأمكن توحيد السودان من جديد مؤكدا أن شمال السودان سيظل أولى الدول بعلاقة جيدة مع الجنوب لأن مصيرا مشتركاً يربط البلدين ، والجنوب يمد الأيدى لكنه لايجد مقابلا .. وهناك تاريخ طويل من عدم الإلتزام بالعهود والمواثيق . وقال إدوارد لينو القيادى البارز بالحركة الشعبية وورئيس استخباراتها السابق ومسئول ملف أبيى :إن ما يحدث اليوم هو ميلاد دولة يطمح شعبها لحياة أفضل وهو ما يعنى أننا نريد نلتفت إلى حل همومنا ومشكلاتنا الداخلية .. نريد أن نغير أوضاعنا فى الجنوب وأن ننهض . ولا ينكر لينو التحديات الكبيرة التى تواجهها الدولة الجنوبيةالجديدة وفى مقدمتها مشكلة الميليشيات المسلحة المناوئة لحكومة الجنوب التى يتهم المؤتمر الوطنى الحاكم الذى يرأسه الرئيس السودانى عمر البشير فى الشمال بتمويلها وتسليحها ودعمها . وأضاف لينو أن مشكلات الجنوب ستزيد إذا استمر المؤتمر الوطنى فى إدارة أمور الشمال بنفس طريقته القديمة وإذا استمر فى فلسفته فى الحكم التى تعتمد على تصدير المشكلات. ,واكد المسئول الجنوبى أن هناك 13 مليون مواطن يعيشون على الحدود بين الشمال والجنوب ، وأن المواطنين فى الشمال والجنوب على حد سواء يحتاجون إلى التعايش والسلام حتى بعد استقلال دولة الجنوب . وقد أكد مسئولون فى حكومة الجنوب عشية استقلال دولتهم أنهم عازمون على مواصلة التفاوض مع الشمال للتوصل إلى حلول مرضية عادلة بشأن القضايا العالقة بين الجانبين وأهمها أبيى والحدود والبترول والمواطنة وغيرها . وقال إستيفين ديو وزير التجارة والصناعة بحكومة جنوب السودان إن دولة الجنوب المستقلة لن تدخل فى أى محاور سياسية وأن ذلك ليس واردا فى حساباتها وأن ما يقال حول ذلك محاولة للتشويش على الدولة الوليدة . وأكد أن دولة الجنوب لن تكون طرف فى أى عمل عدائى ضد الدول العربية أو على حسابها بل على العكس ستكون حريصة على توثيق العلاقات مع الدول العربية ، وطالب الوزير الجنوبى الدول العربية بمزيد من الاهتمام بالجنوب وعدم إشعار اهله أنهم خونة أو أن لهم أجندة ضد العالم العربى لأن ذلك قد يشعر بعض قياداته بأنهم غير مرحب وأنهم ليسوا جزءاً من هذه المنطقة . وأضاف: أن حكومة الجنوب ترغب فى إقامة علاقات متميزة مع شمال السودان حيث سيظل كل طرف بحاجة إلى الآخر ، وستظل هناك الكثير من المصالح المشتركة بين الجانبين وسيظل مصير كل طرف مرتبط بمصير الطرف الآخر ، فإذا وضع الشمال الصعوبات والعراقيل أمام نقل الجنوب البترول وتصديره عبر ميناء بورسودان فلن يتأثر الجنوب وحده بل سيتأثر أيضا الشمال ، ولو منع الشمال السلع والبضائع عن الجنوب فإن الجنوب سيجد بديلا عنها فى شرق أفريقيا وغيرها ، مؤكدا أن التفاوض حول القضايا العالقة سينجح حتما فى الوصول إلى حلول ناجعة مسترشدا بتجارب الدول التى إنشطرت فى يوغسلافيا وغيرها خصوصا فى القضايا الاقتصادية . وردا على سؤال حول ما إذا كانت دولة الجنوب القادمة ستكون دولة فاشلة .قال إن دولة الجنوب لن تكون دولة فاشلة لأنها تملك كل مقومات النجاح من أرض وشعب وحكومة ، مضيفا أن مساحة الجنوب التى تبلغ 700 كيلو متر مربع أكبر من مساحة كينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا مجتمعة ، وأكبر من مساحة فرنسا وسكانها عشرة ملايين نسمه من بينهم ثلاثة إلى أربع آلاف من خريجى الجامعات المصرية فقط حيث كانت تمنح مصر 300 منحة دراسية سنويا منذ أوائل السبعينات لأبناء الجنوب ، وبالتالى فإن العنصر البشرى المتوافر يفوق بمراحل ما كان متوافرا للدول الأفريقية عند استقلالها فى فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضى . وأوضح الوزير الجنوبى ديو أن حوالى 30% من أراضى الجنوب صالحة للزراعة و23 % غابات توجد بها أجود أنواع الأخشاب و40% مراعى و7% مسطحات مائية ، لايوجد صحراء فى الجنوب وبه مناخ متنوع ، وشجر المانجو ينمو من نفسه . وأشار إلى أن 80% من البترول السودانى يقع داخل أراضى الجنوب ، وهناك الذهب وغيره من المعادن .