المعني الاجتماعي لكلمة غول هو موضوع رواية محمد داود الأخيرة أمنا الغولة الصادرة عن دار ميريت, فهي تستخدم هذا الكائن الفولكلوري الاستخدام المجازي الشائع لوصف الجبارين المتجبرين مصاصي دماء الناس لكن كون الرمز شائعا لا يعني أن الرواية تفتقر إلي الأصالة. فكل الأغاني تدور حول الحب, لكن الشاعر القدير هو الذي يعبر عن تلك العاطفة الخالدة بكلماته هو, التي ابتدعها لتعيش ما عاش الحب والشعر. إذن كما يحدث كثيرا طرق الكاتب دربا مطروقا ولكن بخطي متفردة, فتصويره لعالم الغيلان غير مسبوق, وكذلك لوسائل افتراس وتخزين الفرائس, فرسم عالما سحريا مخيفا يتسم بخيال جامح وبديع. أما الإنس فمنهم غيلان صغار محبوسون في إنسيتهم علي حد تعبير أمنا الغولة, ومنهم أغنياء قساة, وفقراء أنذال أو طيبون أبرياء سذج. هذه الطائفة الأخيرة إليها تنتمي شخصيات رئيسية سوف تجتمع عليها الغيلان وبعض الإنس للافتراس ومص الدماء, ولكن قبل الكلام عنهم لابد أن نبدأ من البداية. أحداث ليلة الافتراس أو وليمة الافتراس تبدأ بوصول عربة نصف نقل تحمل بطاطين إلي قرية صغيرة مظلمة, وكان التوقف للصلاة, لكنه استمر لعدة أسباب, وقرر بعض الباعة تصريف البضاعة أي بيع البطاطين في تلك القرية ونظام هذا النوع من البيع أن يدفع كل بائع للتاجر مالك البطاطين ثلاثين جنيها عن كل بطانية, وبعد ذلك هو وشطارته, فقد يقابل زبونا واعيا لايكسب منه إلا جنيهات قليلة, أو زبونا طيبا عبيطا شديد الفقر والكرم يشرب شايه ويأكل زاده ثم يستدرجه للقبول بمبلغ خيالي يدفعه وهو يلهج بآيات الشكر بعد أن جمعه جنيهين قرشين من جميع أفراد الأسرة. هذه هي الأسرة التي أشرت إليها علي أنها تضم شخصيات رئيسية في الرواية. ولمحمد داود في كل رواياته التي قرأتها مشهد رئيسيmasterscene, تبلغ فيه الرواية ذروتها, وهو عادة مشهد طويل, وموجع لكن برقة. وفي هذه الرواية وكالعادة يقع المشهد الرئيسي قرب النهاية, عندما يصل بائعو البطاطين من الإنس والغيلان المتقمصة صورة الإنس إلي دار الجد إبراهيم لبيع بطانية العرس المنتظر بين حفيدته انشراح وحسن الحلاق. البطانية التي لا تباع للزبون الواعي بأكثر من خمسين جنيها, باعوها للجد الطيب وصديقه الجد منعم, بعد توسلات ذليلة بلغت حد التسول, بمائتين وخمسين, وسط دعوات للبائع الطيب مصيلحي لتخفيضه الأجر!. ماسقته أنا في سطرين يمتد في عشرين صفحة أو يزيد من التعاطف المؤلم مع الكائنات البريئة التي تفترس وتمص دماؤها وهي تدعو للغيلان الكرماء, الذين جبروا خواطرهم وترفقوا بهم وهاودوا معهم في السعر! الكذب المتواصل من البائع مصيلحي إنسي بلا ضمير صدقوه كله بسهولة, عن الصفات الفائقة لبطاطينه, وفي النهاية باعهم بطانية من الألياف الصناعية بها ثقب من حرق سيجارة من غفلتهم وفرحتهم لم يروه. إن كان هنا افتراس لفقراء, فهو أيضا افتراس لطيبين, وهذا يخرج الرواية بعض الشيء من التوصيف الذي بدأت به, حول الطبيعة الاجتماعية الصرفة للموضوع ببعديها الاقتصادي والسياسي, فعلي هامش هذا المنظور نري افتراس البراءة والطيبة والكرم لدي بعض الفقراء, وغلبة الخسة علي آخرين يحاولون التعلق بالعربة الأخيرة من قطار المال. أما أمنا الغولة أم الحاج منصور الغول روصنم, فقد تزوجت في صباها من إنسي اسمه زهزه الخمخوم, وانتقمت منه كل أنواع الانتقام فأفلس ثم دخل مستشفي المجانين, وذلك لأنه فضل عليها في البداية إنسية اسمها ألطاف, سخطتها الغولة شجرة كثيرة الغصون تميل علي الترعة بجوار دار ابنها الحاج منصور!. والحاج منصور الذي انجبته الغولة من زهره الخمخوم نصفه غول والنصف الآخر إنسي, إلا أن نصفه الإنسي يخلو من الرحمة, فما بالكم بالنصف الآخر. نعود لسيارة نصف النقل الواقفة أمام الجامع, إن الباعة والتاجر عطوة غول صغير سيكونون الليلة وليمة للغولة وابنها, وذلك أن الغولة أخذت علي زهزه الخمخوم عهدا بعدم صيد أهل القرية. وتم صيد الباعة: مصيلحي, فهيم, سبرتو, وهم في القرية, ثم افترسا باقي الباعة في السيارة, وكل بائع اصطادوه بوسيلة مختلفة ومبتكرة وفيها من الخيال البديع ما فيها, ولن استطيع حكيها أو وصفها, لذلك أحيل القارئ العزيز إلي الكتاب, ليتذوق بنفسه.