ارحمونا أيها السادة من هذا الخلاف الدائر وهو خلاف جدلي وشكلي لا يسمن ولا يغني من جوع, ولا طائل من ورائه إلا ضياع الوقت وشغل الرأي العام والالتفاف علي مبادئ الثورة استمر الجدل محتدما, وكأن ملفات القضايا الساخنة للحياة في المجتمع قد توقفت علي نتائج هذا الجدل, الدستور أولا أم الانتخابات البرلمانية, وضجت الأصوات العالية. وتوهمت أنها قد شغلت الرأي العام بهذا الجدل الدستوري, وأنه انشغل به عن أمهات القضايا العاجلة في المجتمع, وظل الصياح متعاليا لأشخاص وجماعات بذاتها تطوف القنوات الفضائية, تترأس الحوارات وتتسابق في نشر المقالات. الذين ينادون بالانتخابات البرلمانية أولا, يحذرون من إهدار نتائج الاستفتاء والالتفاف علي إرادة الشعب, ولا يرون طريقا إلا بالانتخابات أولا, ثم تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور والاستفتاء عليه ثم الانتخابات الرئاسية, ويهددون بأن مخالفة ذلك سوف يسبب مأزقا دستوريا لمخالفة نتيجة الاستفتاء!! وبرأيي أن ذلك تهديد في غير موضع, وإثارة تعقيدات وعراقيل لا سند لها, تصل إلي درجة التعجيز, والسبب في ذلك واضح وقوي: 1 أن الإعلان الدستوري الأول صدر عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة في13 فبراير2011 بتعطيل دستور71, وأن يتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد بصفة مؤقتة لمدة ستة أشهر أو انتهاء انتخابات مجلسي الشعب والشوري.. ورئيس الجمهورية, وبعد ما طرأ في أحوال البلاد.. رد الرأي العام.. احكمونا أيها السادة ولو مؤقتا ولا تديرونا! 2 أن استفتاء19 مارس الماضي تعديلا لبعض نصوص دستور1971, لم يتجاوز عددها تسع مواد تحديدا, وليس في أي من هذه المواد التسع المستفتي عليها, حكم بالانتخابات البرلمانية.. أو الدستور أو أيهما أولا.. ولا المدة التي يتعين إجراء الانتخابات خلالها أو ضرورة إصدار دستور جديد!! ويبدو أن الرأي وقتئذ كان يتجه إلي إدراجها ضمن مواد دستور71 المعطل!! 3 أما الفقرة الأخيرة المضافة إلي المادة189 والمادة189 مكرر, وهي مواد وردت في الاستفتاء تعديلا لمواد دستور71, وبذات الأرقام التي كانت واردة به, فإن هذه الفقرة والمادتين, وردتا في باب أحكام عامة وانتقالية, تتعلق بمن له حق طلب دستور جديد رئيس الجمهورية.. نصف أعضاء مجلسي الشعب والشوري وهو ما يعني أنه حكم انتقالي عام, وأن جمعية تأسيسية من مائة عضو يختارها المجلسان في اجتماع مشترك.. وطلب إصدار دستور جديد ومواعيده وأن رئيس الجمهورية يعرض المشروع علي الشعب لاستفتائه, وهو ما يعني أن انتخاب رئيس الجمهورية يتم قبل تعديل الدستور!! علي عكس ما ورد بالإعلان الدستوري الجديد. 4 أن الإعلان الدستوري الذي صدر عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة وبعد الاستفتاء في30 مارس2011 لم يتقيد بمواد الاستفتاء, لا بأرقامها ولا بعددها ولا بأحكامها, فإصدار إعلان دستوري من63 مادة بالتمام والكمال, ومن بينها المادة41 التي حددت موعد إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشوري خلال ستة أشهر تنتهي في03 سبتمبر1102 والمادة06 التي حددت دعوة المجلس حلال ستة أشهر لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولي إعداد دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر, وأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو الذي يدعو المجلسين للانعقاد, وهو ما يعني أن انتخاب رئيس الجمهورية بعد وضع الدستور علي خلاف ما ورد بالاستفتاء. 5 هاتان المادتان تحديدا لا شأن لهما بالمواد التي جري عليها الاستفتاء.. والتي عدل عنها, حيث وردت بعدها مواد بالإعلان الدستوري متكاملة من عدد63 مادة صدرت بإعلان دستوري من المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وتبعا فإن المجلس الأعلي للقوات المسلحة يسعه بكل صراحة ووضوح, أن يعدل من أحكام المادتين40,60 من الإعلان الدستوري, وبذات الطريق الذي صدرت به أي بإعلان المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وبغير حاجة إلي استفتاء جديد لأنه لا يتصادم مع نتيجة الاستفتاء التي عدل عنها وأضاف إليها الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس نفسه, والذي يملك في كل وقت تعديل أحكامه في ضوء ما جد من أحداث جارية من شأنها أن تتطلب تعديل الانتخابات وإجراءها لاحقا وإلا فلسوف نستبدل من يحتكر الحياة البرلمانية والحزبية ولكن بمسميات أخري. 6 وإذا كانت معظم القوي السياسية والمؤتمرات واللجان والخبراء قد أعلنوا صراحة دعوتهم إلي وضع الدستور أولا.. وبعدها يتم تأسيس مؤسسات وسلطات الدولة المجالس النيابية.. وانتخاب رئيس الجمهورية... وفقا للوثيقة الأم وهي الدستور التي تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكومين, وبين السلطات وبعضها البعض.. وبينها وبين أبناء هذا الوطن!! وهو المنطق.. والعدل.. بتعديل مادتين اثنتين06,14 من الإعلان الدستوري.. بغير حاجة إلي استفتاء جديد!!أما من يقولون لنا كيف يتم اختيار لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد فعليهم أن يعودوا إلي التاريخ فكيف تم اختيار لجنة الثلاثين.. ولجنة الخمسين.. واختيار لجنة لوضع دستور56!! ارحمونا أيها السادة من هذا الخلاف الدائر وهو خلاف جدلي وشكلي لا يسمن ولا يغني من جوع, ولا طائل من ورائه إلا ضياع الوقت وشغل الرأي العام والالتفاف علي مبادئ الثورة وتحقيق أهدافها بنجاح وبصدق وإخلاص, بعيدا عن الصراعات والاتهامات التي تمزق أوصال الوطن!!