ربما تستغرب من رسالتي, وقد تصيبك الدهشة من مضمونها, لكنها علي الرغم مما يبدو من تفاهتها, فإنها مشكلة حياتي, ولا أستطيع الخروج منها, وأرجو أن يصلك إحساسي وتشعر بمعاناتي. فأنا رجل أحيا مع أسرتي في الإسكندرية, ورزقني الله بثلاث بنات ربيتهن علي طاعة الله, وعلمتهن الالتزام الديني والأخلاقي منذ صغرهن, وتزوجت اثنتان منهن, وبقيت الثالثة التي احترت معها كثيرا, ولم أفلح في إقناعها بالزواج, فبالرغم من أن كثيرين تقدموا لها, فلقد رفضتهم واحدا بعد الآخر, هذا لأنه يعمل في الخارج ولا يزور مصر إلا قليلا, وهي ترغب في أن تظل قريبة من أسرتها, وذاك أقل من مستوانا الاجتماعي, وهكذا حتي بلغت سن الخامسة والثلاثين. وهنا تكشفت لنا حقيقة جديدة, وهي أنها علي علاقة برجل يكبرها بعدة سنوات, وكانت قد تعرفت عليه في أثناء دراستها بالجامعة, وواجهتها بذلك فاعترفت بأنها علي علاقة به, وأنه ينوي التقدم لها ويخشي أن أرفضه, وضغطت علي والدتها وأخوتها لكي أقبل بخطبتها له, وعلمت أنه يعمل عملا حرا, وله رصيد كبير بالبنك, ولم أتحر عنه أو أتابع أخباره ظنا مني أنها تعرف كل شيء عنه, وانشغلت بمرض والدتي وعملي. وظل يتردد علي منزلنا يوميا علي مدي ستة أشهر, ولم يقدم جديدا, أو يتحرك خطوة واحدة إلي الأمام, ولم يظهر له أهل, وكان يتعلل دائما بأن والدته متوفاة, وأباه مريض, وأنه الرجل الوحيد في أسرته, وشقيقاته جميعهن متزوجات. وكلما فتحت الحديث في موضوع إتمام الزواج تفتعل المشكلات وترفض الحديث فيه, وتكتفي بالخروج معه للفسح والرحلات والجلوس في الكافتيريات, وهنا تدخلت اختاها وتحدثتا معها وأعربتا لها عن شعورهما بعدم الراحة مع هذا الرجل الذي لا يبدو جادا في الارتباط بها, وذكرتاها بأن العمر يجري وأنها دخلت مرحلة العنوسة, وقد لا يكون لها أمل في الزواج إذا استمرت علي هذه الحال. وبالطبع نقلت إليه ما دار بينهن, فبدأ في الوقيعة بين أفراد الأسرة وحرض ابنتي علي أختيها فلم تعد تطيق رؤيتهما.. لا هما ولا أبنائهما.. بل هددتهما بأنها سوف تحرر محاضر ضدهما في الشرطة إذا لم يكفا عن الحديث معها عن خطيبها المزعوم, كل هذا وأنا مكتوف اليدين, بل والأدهي من ذلك أنني كنت قد كتبت أموالي وممتلكاتي بأسماء بناتي لكي أحصنهن ضد تقلبات الزمن, وأخذت منهن توكيلات بإدارة هذه الأموال لهن.. وإذا بها تهددني باللجوء إلي المحاكم لإلغاء التوكيل إذا لم أتراجع عن موقفي من الخطيب المزعوم! ولجأت إلي أقاربنا ومعارفنا وكبار العائلة عسي أن يثنوها عن أفعالها ضدنا, ورأي البعض أن أعرضها علي طبيب نفسي فإذا بها تثور ثورة عارمة وتتهمنا نحن بالجنون! أعترف بأنني أخطأت بأنني كنت لينا مع بناتي إلي حد كبير, لكن البنتين الأخريين عاقلتان, وكل متاعبي مع ابنتي هذه التي لا تلقي بالا لعقوق الوالدين, وكل ما يهمها هو أن تسير علي هواها.. ولا أدري سر ارتباطها بهذا الشخص الغريب, ولماذا تتمسك به علي هذا الوضع الغريب.. فلا هي متزوجة, ولا هي غير مخطوبة؟ فعلا احترت وتعبت وفاض بي الكيل.. فهل تجد لي حلا يريحني مما أنا فيه؟! { لقد تساهلت منذ البداية في تربية بناتك, ثم في تدليلك لهن لدرجة أنك لا تعرف عنهن شيئا, ونسيت أن ترك الحبل علي الغارب لهن سوف يؤدي بهن إلي نتائج وخيمة, والواضح أيضا أن زوجتك ليس لها أي دور في الأسرة, بل ربما تأخذ جانب البنات ضدك, فرحن جميعا يتصرفن بلا مرجع ولا سند, لذلك كان طبيعيا أن تخرجن جميعا عن طوعك, وأن تفعل كل منهن ما يحلو لها. وإذا كنت قد ركزت حديثك علي ابنتك غير المتزوجة, فإنك أغفلت كل ما يتعلق بالجوانب الأخري بالنسبة لشقيقتيها, ولا أدري كيف أقدمت علي كتابة ممتلكاتك بأسماء البنات ونسيت أنك تخالف شرع الله, وأن ما تتصور أنه تأمين لمستقبلهن سوف ينقلب إلي سلاح ضدك ذات يوم, وهذا ما حدث بالفعل, فلقد كان بإمكانك حتي وإن كتبت ممتلكاتك بأسمائهن أن تحتفظ بالأوراق والمستندات لديك حتي وفاتك. وما تستطيع تداركه الآن هو أن تنفض عنك سلبيتك, وتحسم أمرك من مسألة خطبة ابنتك, فإما أن تتم زفافها إلي خطيبها, وإما أن تفسخ الخطبة, ويذهب كل منهما إلي حال سبيله. ولابد أن تزور ابنتك الطبيب النفسي, فليس في ذلك ما يعيبها أو يقلل من قدرها, وربما تكشف هذه الزيارة عن جوانب خفية في علاقتها بخطيبها وسر تمسكها به, برغم عدم إتمام زواجه منها حتي الآن. أسأل الله لابنتك الهداية, ولك التوفيق والسداد.