في الوقت الذي يعاني فيه المجتمع المسلم العديد من الأزمات والمحن والشدائد التي تتطلب التعامل معها بما يناسب روح العصر ويشجع علي أن يكون للفقهاء الجدد اجتهادات لمواجهة القضايا المعاصرة, خرجت علينا أصوات تطالب بعودة نظام الجواري والعبيد, وكأن المجتمع المسلم أصبح خاليا من كل المشاكل, والغريب أن صاحبة هذه الدعوة تري أن إقتناء الجواري يحمي الرجال من الوقوع في الرذيلة ويمنع إقامة العلاقات غير الشرعية!!, والأغرب من ذلك أنها تطالب بأن تقوم المرأة غير المتزوجة بشراء عبد حتي تنتهي مشكلة العنوسة!!.. وإنطلاقا من دورنا في خدمة الإسلام وتوضيح صحيح الدين طرحنا القضية علي علماء الدين الذين أكدوا أن الإسلام كرم الإنسان وحارب الرق والعبودية, وأن هذه الدعوات تسعي لضرب استقرار المجتمع المسلم عن طريق نشر الرذيلة, وطالبوا بالتصدي لها حتي لا يسير خلفها ضعاف النفوس وراغبو المتعة الحرام ويدخل المجتمع المسلم في نفق مظلم تباع وتشتري فيه الأجساد وهو ما يتنافي مع منهج الإسلام القويم في نشر العفة والدعوة للفضيلة لحماية المجتمع. في البداية يقول فضيلة الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر الشريف: الإنسان هو الكائن الذي كرمه الله عزوجل لقوله تعالي ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا, وقد إمتد تكريم الإسلام للإنسان حتي بعد وفاته لقول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في الحديث الشريف كسر عظم الميت ميتا ككسر عظمه حيا, ولذلك ينبغي أن نلتزم بهذا المنهج القويم في التعامل مع النفس البشرية التي لها حرمة وكرامة كبيرة عند الله عز وجل, والمؤكد أن ما يحدث في الوقت الحالي من دعوات تطالب بعودة نظام الجواري والسبايا والعبيد يتعارض مع تكريم الله عز وجل للإنسان بوجه عام رجلا كان أو إمرأة, لأن هذه الدعوة لم تقتصر فقط علي إمتلاك الجواري, لكنها إمتدت لتطالب بأن تمتلك المرأة عبدا, إن هذا المنهج الغريب وهذه الدعوة المشبوهة تستبيح حرية الإنسان وكرامتة وتجعله سلعة تباع وتشتري وهو ما لايقره الدين الإسلامي الحنيف الذي يكفل الحرية لكل الناس, ولايجوز في مثل هذه الأيام أن توجد مثل هذه الدعوات. ويؤكد أن هذه الدعوة مرفوضة قولا واحدا لتعارضها مع تكريم الله عز وجل للإنسان, فهل يريد أصحاب هذه الدعوة الإتجار بالبشر ؟ إن الإسلام لا يقبل ذلك ويحاربه حماية للنفس الإنسانية التي كرمها الله عز وجل فهي لاتباع ولاتشتري, ولقد ولد الإنسان حرا وحرص الإسلام علي الحفاظ علي هذه الحرية. حكمة الزواج في الإسلام أما الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر فيقول: اهتمت الشريعة الإسلامية بنظام الزواج ووضعت له من الأسس ما يحقق رغبات الناس وراعت اتجاهاتهم المختلفة ورغباتهم المتعارضة, ولذلك عملت الشريعة علي تحقيق هذه الرغبات, فمن الناس من يقنعه ويرضيه الزواج بإمرأة واحدة تملأ حياته سعادة ورضا ويبادلها نفس المشاعر والأهداف, ومنهم من لا يكتفي بواحدة, وفي هذه الحالة لم يسمح الإسلام بأن يقضي الإنسان حاجته مع غير زوجته, فأعطاه الحق في الزواج بثانية وثالثة ورابعة, أما ما يزيد علي ذلك فيعد مرضا أكثر من أن تكون رغبة جنسية, ولذلك حدد الإسلام عدد الزوجات بأربع فقط يبقين علي ذمة الرجل وإن طلق واحدة فله أن يتزوج بأخري إن شاء, وهذا ما قال عنه الفقهاء يحقق كل رغبات الإنسان إن كان يريد الزواج ببيضاء أو سوداء أو شقراء وهكذا تتحقق رغبته وفقا للشريعة الإسلامية بدلا من أن تتحقق تلك الرغبة بالطرق المحرمة والعلاقات غير الشرعية ويصاب بالأمراض, فالإسلام حدد ونظم قضاء هذه الشهوة بما يحافظ علي صحة وكرامة الإنسان ويضمن سلامة وإستقرار المجتمع, والواقع الموجود حاليا أكد صحة ذلك فعندما ينطلق الإنسان لقضاء شهوته الجنسية بلا حدود فإنه يصاب بالأمراض وينشر المرض لغيره ويؤدي ذلك لهلاك المجتمع كما نشاهد اليوم بسبب مرض الإيدز وغيره من الأمراض الجنسية, فالإسلام لا يقر هذه الدعوة التي يطالب بها البعض ولا يرضي للإنسان المسلم أن يصل لهذا الضعف والهوان أمام شهوتة الجنسية فيقع في الرذيلة, ولذلك فالإسلام أقر مبدأ الوقاية خير من العلاج وأغلق الباب تماما أمام قضاء الرغبة الجنسية مع غير الزوجة. ويضيف أن منهج الإسلام في بناء الأسرة المسلمة يقوم علي المودة والرحمة التي تجمع الزوج والزوجة, وكل منهما يعرف واجباته وما ينبغي أن يقوم به تجاه الآخر, لكن ما يذهب إليه البعض من أصحاب هذه الدعوات التي تطالب بإقتناء الجواري والعبيد يتنافي تماما مع منهج الإسلام في بناء الأسرة القوية التي تقوم فيها العلاقات علي المودة والرحمة وليست قائمة علي المال أو الرغبة الجنسية, فكيف لسيدة أن تشتري عبدا وتنجب منه ؟, هل هذه الأسرة تمت للإسلام بصلة ؟, إن الأسرة المسلمة تقوم علي الاستقرار والتكافؤ بين الزوج والزوجة من أجل الأبناء ولتربيتهم التربية الدينية الصحيحة التي تحميهم من الإنزلاق في طريق الهلاك والضلال. محرم شرعا ويؤكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن هذه الدعوة تخالف نصوص الشريعة الإسلامية, فنظام الجواري والسبايا والعبيد محرم في الإسلام, ومن الظلم أن ينسب للإسلام إسترقاق الأحرار وبيعهم في سوق النخاسة أو سبي النساء وجعلهن وسائل متعة لمرضي السعار الجنسي ومثل هذه الدعوات الصادرة عن الجهلاء بالشريعة الإسلامية يجب إنزال عقوبة التعازير الشرعية بهم لترويجهم مثل هذه الأقاويل والدعوات التي حاربها وحرمها الإسلام, فالرسول الكريم صلي الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة منهم رجل باع حرا وأكل ثمنه, أما إدعاء المنتحلين بأن الإسلام يعالج الفقر الاقتصادي برق الرجال وسبي النساء فلو رجع أصحاب هذه الدعوات المشبوهة لمصنفات الشريعة الإسلامية لوجد أنها توجب العتق الإجباري للأمة التي أنجبت من سيدها وتصير حرة, وعلي مروجي مثل هذه الدعوات أن يعرفوا أن الإسلام لا يعرف إحتلال أرض الغير أو تحويل الأحرار إلي عبيد, فكل هذا محرم ومجرم في الشريعة الإسلامية, والصحابة رضي الله عنهم كانوا يشترون العبيد ويعتقون رقابهم وسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنفق الكثير من ماله لشراء العبيد وتحريرهم من الرق. أدلة من القرآن ويقول الدكتور سامي هلال عميد كلية القرآن الكريم جامعة الأزهر: الإسلام لا يدعو للرق وينبغي ألا نردد مثل هذه الدعوات التي تحمل إساءة كبيرة للإسلام, وقد حملت نصوص القرآن الكريم ما يدل علي أن الإسلام يحرص علي حرية الإنسان ويحارب الرق والعبودية, وجعل ذلك في باب الكفارات مثل كفارة اليمين وكفارة الظهار, والحق سبحانه وتعالي عندما جعل عتق الرقاب من باب الكفارات فإن ذلك يحمل المعاني والدلائل التي تؤكد أن الإسلام حارب الرق ولا يسعي إليه, ويستشهد بقول الله عز وجل والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم ويؤكد أن هذه الآية تحمل دليلا من القرآن الكريم علي أنه سيأتي يوم لن يكون هناك رق فمن لم يجد في الآية دليل علي أن الإسلام وهي إشارة قرآنية, أما عندما تكلم عن الصيام فتكلم بالعجز عن الإستطاعة وهو أمر نسبي, أما بالنسبة لقول الله تعالي إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين, فالسؤال هنا أين ملك اليمين في الوقت الحالي ؟.. لا يوجد ملك يمين الآن هذا شئ غير واقعي وغير موجود, ولذلك يجب أن تتوقف مثل هذه الدعوات لأنها تتعارض مع نصوص القرآن الكريم. مخالف للقانون ويشير الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية إلي أن كل الدول الإسلامية وقعت علي إتفاقيات ومعاهدات دولية لمنع الرق وتحريمه, وهذه الاتفاقيات واجبة النفاذ دينيا وأخلاقيا قبل أن تكون واجبة النفاذ قانونيا, وأي محاولة لإحياء نظام الجواري والسبايا والعبيد تعد مخالفة للشرع, وكذلك تعد مخالفة للقانون الذي يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية في الحفاظ علي حرية وكرامة الإنسان, كما أن المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتي وقعت عليها أيضا كل الدول الإسلامية تتعارض مع هذه الدعوات التي للأسف ظهرت من البلاد الإسلامية وكأن أصحاب هذه الدعوات يحاولون ربطها بالإسلام رغم أن الإسلام حرمها وجرمها. ويضيف أنه من العيب الشديد أن يحاول بعض المسلمين أن يقدموا نماذج للفكر الغريب الذي يتعارض مع كل الأعراف والتقاليد التي يعرفها المجتمع في الوقت الحالي ويحاولون ربطها بالإسلام, وهذا مشهد سيئ ومحزن أن يصل التفكير لهذه الدرجة ففي الوقت الذي يطالب فيه العالم أجمع بإحترام حقوق الإنسان بل وحقوق الحيوان أيضا تخرج علينا مثل هذه الدعوات التي تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية وليس فقط مع القانون, وعلي الذين يطالبون بإحياء نظام الجواري والسبايا والعبيد أن يعرفوا أن ذلك محرم شرعا وقانونا, وأن هذه دعوة للعودة للوراء وتحمل مخالفات قانونية تصل إلي حد الجريمة التي يعاقب عليها القانون, ويضيف أن مصر كانت من أوائل الدول التي أصدرت قوانين لمنع الرق وكان ذلك في عهد الخديو إسماعيل, وتبعتها كل الدول العربية والإسلامية في ذلك. الإسلام يرفض الرق والعبودية أما الشيخ فرحات المنجي من علماء الأزهر الشريف فيقول: إن الله عز وجل قد خلق الإنسان حرا ولم يخلقه عبدا لأحد, ولما كانت الحروب في غابر الزمان كان القوي يأسر ما يقدر عليه من الطرف الضعيف ويجعله عنده كالمتاع ويتصرف فيه كما يشاء, وكانوا إن لم يجدوا مالا باعوا رجالا ونساء ممن سبوهم, فأتي الإسلام وفتح أبوابا للحرية واقتصر الأمر في الأسر فقط علي الحرب فسار منفذا وحيدا للرق, ولكن الإسلام جعل لتحرير الرق أبوابا عديدة حتي يتخلص العالم من هذا الوباء, فجعل معظم الكفارات عتق رقبة مؤمنة وبعض الكفارات عتق رقبة ولم ينص إن كانت مؤمنة أو غير مؤمنة وذلك حتي يحارب الإسلام تلك الرذيلة التي كانت سائدة في عصور ما قبل الإسلام, فعتق الرقاب من أعظم القربات والطاعات إلي الله عز وجل وهذا يبين رفض الإسلام للرق والعبودية, ولذلك لابد من الرد علي هذه الدعوات التي تطالب بعودة نظام الجواري والسبايا والعبيد حتي لا يسير خلفها ضعاف النفوس وحتي نبين للناس صحيح الدين, وكل من يسير خلف هذه الدعوات فهو يمارس الرذيلة وتنفيذ هذه الدعوة علي أرض الواقع هو زنا وفاحشة حرمها وجرمها الإسلام. باب للرذيلة ويضيف الدكتور أحمد كريمة أن هذه دعوة لنشر الرذيلة وقد حارب الإسلام الفاحشة, ويجب أن نتصدي لها وأن نحارب كل تلك الدعوات التي تهدف لزعزعة كيان الأسرة والمجتمع المسلم, فكيف للرجل أن يشتري عددا من الجواري ؟, وكيف للمرأة أن تشتري عبدا ؟, هذه ليست أخلاق الإسلام, لأنه في هذه الحالة من يملك المال يستطيع شراء الجواري وتنتقل الجارية من هذا لذاك وكذلك العبد, وهنا تسود الرذيلة ويكون المال سيد الموقف لإشباع الرغبات الجنسية, وينصرف المجتمع نحو أهداف غريبة لا تمت للمجتمع المسلم بأي صلة, فأصحاب هذه الدعوة يريدون أن تتحكم الغرائز والشهوات الجنسية في المجتمع المسلم فتسود الرذيلة وينتشر الزنا ويكثر اللقطاء وأطفال الشوارع, وهنا نقول إن هذه الدعوة تتشابه مع الدعوات التي طالبت بالحرية للشواذ, لأن كلا منهما يؤدي دوره في هدم المجتمع المسلم, ويجب علي الدعاة وعلماء الدين القيام بدورهم والتصدي لمثل تلك الأفكار وبيان موقف الإسلام منها. الإسلام يدعو للعفة ويؤكد الدكتور صلاح زيدان أستاذ الفقة جامعة الأزهر ذلك بقوله إن المدخل الشرعي لوجود الجارية أو العبد غير موجود في الوقت الحالي فالجارية لا تكون إلا بسبب شرعي وكذلك العبد, وبالتالي فمن أين لنا بالجواري كما ينادي هؤلاء ؟, والمؤكد شرعا أن مثل هذه الدعوات باطلة ولا تصح أن تكون في المجتمع المسلم, ولو واقع الرجل المرأة كما ينادي هؤلاء وبهذه الطريقة فإن ذلك زنا, والإسلام حارب الفاحشة, وإذا كانت هذه الدعوات التي تنادي بعودة نظام الجواري والعبيد تزعم أن في ذلك حماية للإنسان من الوقوع في الرذيلة فهذه الدعوة تتناقض مع منهج الإسلام في الدعوة للعفة والطهارة من خلال التعاليم والضوابط التي حملها لنا القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة, فقد طالب الإسلام الإنسان بأن يغض البصر حتي لا يقع في الرذيلة, وألا يسير وراء الشهوات والغرائز, وهذا قول الله عز وجل ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا, كما أن الرسول الكريم صلي الله عليه قال في الحديث الشريف يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءه فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء, ولذلك فهذه الدعوات تتنافي مع منهج الإسلام القويم في منع الرذيلة ونشر الفضيلة, ولذلك لابد من التصدي لهذه الأفكار الغريبة.