ازدهت ليلة الثاني عشر من ربيع الاول حيث شرفت بمولد المصطفي صلي الله عليه وسلم كان الميلاد ايذانا بتحرر الانسان من قيود الوثنية لينطلق الي آفاق رحبة تتسم بالحق والخير والايمان الخالص. ومنذ أن جاءت البشارة بميلاد رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي تغير كل شيء, وعمت الفرحة أرجاء البرية كلها, فهذا الوليد الوضئ اصطفاه الله لأمر جلل, ولاحت الاشارات تبشر بالخير الذي جاء في ركابه, وكما اشار الباحث الاسلامي محمد قطب في كتابه قطوف دانية جاء الميلاد في عام الفيل فأضحي ايذانا باندحار كل طاغوت وزوال كل جبروت جئت ايها الرسول الكريم نورا, قذف به الله في اصلاب الانبياء والصالحين, كما قال ابن عباس عن النبي الكريم صلي الله عليه وسلم: لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الكريمة والارحام الطاهرة حتي أخرجني من ابوين لم يلتقيا علي سفاح قط شمله الله برعايته وعصمه من ادران الجاهلية. يقول الكاتب فخري فايد في كتابه( الصابر المنتصر) عن حديث المصطفي عن نفسه.. قال له نفر من اصحابه رضي الله عنهم, يا رسول الله, اخبرنا عن نفسك, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم نعم انا دعوة ابي ابراهيم, وبشري اخي عيسي, ورأت امي حين حملت بي انه خرج منها نور اضاء لها قصور بصري من ارض الشام, ان مثل ما بعثني الله به من الهدي والعلم, كمثل غيث اصاب ارضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها اجادب امسك الماء, فنفع الله تعالي بها الناس, فشربوا منها وسقوا وزرعوا و اصاب طائفة منها اخري انما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه دين الله تعالي ونفعه ما بعثني الله تعالي به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار, تقع فيها فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها ويتحدث الكاتب عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلق رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت: كان قرآنا يمشي علي الأرض وسئل رسول الله صلي الله عليه وسلم: ما بالك تقوم الليل والنهار عابدا ذاكرا الله مستغفرا, وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر, قال صلوات الله عليه وسلامه.. أفلا اكون عبدا شكورا, وقال المصطفي صلي الله عليه وسلم إني لأستغفر ربي في اليوم اكثر من مائة مرة, وفي دراسة ضافية بعنوان محمد نبي الانسانية للباحث صلاح سالم يقول عن رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم كان صدقه بذرة الاسلام الأولي, وكانت قدرته علي الحب والتعاطف هي الارض التي نبت فيها الاسلام, كما ان قدرته الفذة علي التآخي والمؤاخاة هي التي حولت يثرب المنقسمة علي نفسها والممزقة بين طوائفه الي المدينةالمنورة بالأخوة الصادقة بين أنصارها والمهاجرين اليها في احدي اروع تجسدات المثالية التاريخية وكان توقه الي العدل الذي مكنه من بناء حكومة الاسلام ودولته الاولي بعهد إخاء ومشاركة ابرمه مع يهودها وبموقف حاسم في مواجهتهم عندما خانوه فحق له القصاص العادل. وكان تواضعه الجم طريقه الي المساواة المطلقة بين المسلمين فلا يستعلي احد علي احد ولا تمايز بين الناس الا باعمالهم التي تصدر من ارادتهم وليس بسابق فضل لهم من اصولهم او اموالهم, حتي هو لم يرض نفسه ما يميزه عن اي مسلم آخر, فيرفض ان يقبل احد يده او يحمل عنه اثقاله, لأنه لم يبعث ملكا بل نبيا, ظل يأكل القديد والثريد حتي توفاه الله, وكانت رحمته هي مصداق نبوته, ومآل سموه, وهي ميزته التي لا يملكها سوي الأنبياء الصادقين. ومن أهداف الرسالة التي جاء بها الاسلام, وبعث بها الله رسوله لإنقاذ البشرية كما جاء في كتاب الدين القيم للداعية الاسلامي فضيلة د. الحسيني هاشم هو اصلاح حال العباد فيما بينهم وبين ربهم الخالق العظيم, واصلاح حال العبد بينه وبين نفسه, واصلاح حال المجتمع الاسلامي, والمتتبع لسيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم وتاريخه المشرق يجد هذه الاهداف الكريمة السامية, واضحة في تعاليمه وفي جهاده الطويل, وأعماله المجيدة.