الذي يتابع أداء الوفد المصري المشارك حاليا في اجتماعات المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف سيلاحظ أمرين في منتهي الأهمية, أولهما مدي الجدية التي يتعامل بها الوفد مع الأسئلة المتعلقة بحقوق الإنسان في مصر. وثانيهما مدي الترحيب الذي استقبلت به مجموعة العمل الدولية هناك الطرح المصري. وقد انعكس هذا الترحيب في ردود الفعل من جانب بقية الوفود التي أعربت عن سعادتها للمنظور الذي تتعامل به مصر مع قضايا حقوق الإنسان في داخلها. وهنا سيكون من الأهمية بمكان التوقف أمام المبادرات المصرية التي سيتم البدء في العمل علي تنفيذها قريبا, والتي تحدث عنها الدكتور مفيد شهاب رئيس الوفد المصري الموجود في جنيف حاليا. لقد أكد الدكتور شهاب أن مصر الآن بصدد إجراء مراجعة شاملة للقوانين المصرية ذات الصلة بحقوق الإنسان بحيث تصبح هذه القوانين ملائمة للمواثيق والالتزامات الدولية في هذا الصدد, وكما هو معروف فإن كثيرا من دول العالم الثالث, ومن بينها مصر, في أمس الحاجة الآن إلي إجراء مثل هذه المراجعات التشريعية نظرا للفجوة الكبيرة بينها وبين بقية الدول المتقدمة في هذا السياق. ويخطئ من يقصر مسألة حقوق الإنسان في مجرد عدة ممارسات غير منضبطة داخل أقسام الشرطة أو في السجون( مع اعترافنا الكامل بأن هذه الممارسات يجب وقفها بكل السبل), إلا أن قضية حقوق الإنسان أشمل وأعم من هذا, ولعل هذا ما قصده الدكتور شهاب عندما أكد التزام مصر بمراجعة تعريف التعذيب في القانون المصري, بحيث يتسق مع تعريفه الوارد في الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب. غير أن شهاب أشار أيضا إلي أن المراجعة التشريعية لن تقتصر علي ذلك فقط, بل ستمتد إلي ما هو أشمل من ذلك مثل قانون مكافحة الإرهاب, ودراسة قانون جديد لبناء وترميم دور العبادة, والبدء في نشر التعريف بثقافة حقوق الإنسان في المناهج الدراسية, وسبل التنسيق بين الحكومة وجمعيات المجتمع المدني المختلفة في هذا المجال. وليس هذا فحسب, بل إن حقوق الإنسان تعني ما هو أكثر وأكثر, إنك, وأنت تكافح البطالة بتوفير فرص عمل, إنما تحقق حقوق الإنسان, وعندما تصلح التعليم, أو توفر الخدمة الصحية والتأمين الصحي للناس, أو تدافع عن حقوق المرأة, والطفل, أو عندما تسعي لمزيد من الحريات الثقافية والاجتماعية, وعندما تكافح الفقر, وتسعي إلي إحداث التوازن بين الأجور والأسعار, وعندما تهب للقضاء علي العشوائيات, وبناء مساكن صحية مريحة للمواطنين, كل ذلك جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان. وقد يبادر البعض إلي توجيه الاتهام بأن توسيع دائرة مفهوم حقوق الإنسان بهذا الشكل قد يبعد أنظارنا عن التفاصيل الصغيرة التي يعانيها المواطن في حياته, غير أن ذاك الاتهام مردود عليه بأنه ما لم يتم النظر إلي حقوق الإنسان كمنظومة كاملة شاملة تمتد من أصغر طفلة في أقاصي الصعيد وحتي أكبر وزير في الحكومة, فإن شيئا لن يتحقق أبدا, ويبقي أن نشير إلي أن التشريعات وحدها لن تكفي, فكم أصدرنا وأصدرنا من تشريعات, فماذا فعلت؟ إن المهم هو الثقافة, وما لم يتم تغيير الثقافة قل علي التشريعات يارحمن يارحيم!