سوف تفرض ظاهرة البلطجة نفسها علي ساحة النقاش في الفترة القليلة المقبلة باعتبارها القضية الأهم والتحدي الأخطر أمام الثورة الشعبية وديمقراطيتها الناشئة, فلا خير يرتجي من ثورة تكون البلطجة هي عنوانها الرسمي والمجرمون والهاربون من الأحكام والمسجلون خطرا هم. سفراؤها في الشارع, والسيوف والسنج والمطاوي هي أدواتها في تحقيق أهداف فرض الفوضي والعشوائية علي كل مظاهر الحياة لتعود مصر بثورتها الشبابية الي عصور ما قبل التاريخ. علي المستوي الرسمي اعلم أن إجراءات محددة يجري اتخاذها الآن للإعداد لتنظيم مؤتمر قومي يعقد قريبا لمناقشة كيفية حماية المجتمع من ظاهرة البلطجة التي استفحلت وتفاقمت بعد ما انشغل الثوار الحقيقيون وغيرهم من النخب في مناقشات بيزنطية عقيمة حول أيهم يسبق الآخر, الدستور أم الانتخابات البرلمانية أم الرئاسية. هذه القضية الخطيرة, مكافحة البلطجة ودرء أخطارها الكارثية علي مستقبل الوطن, لا يجب ان تترك هكذا للأجهزة الرسمية وحدها.. واسألوا أهل الذكر: لماذا عاد قانون مكافحة البلطجة الي الأدراج ومات اختناقا بعد أن أبطلته الدستورية العليا بحجة عدم استيفاء إجراءات صدوره.. قضية البلطجة إذن هي قضية ثورية مجتمعية من الطراز الأول, وعلي ائتلافات الثورة الممثلة الحقيقية للثوار الذين لا نعرف لهم قيادة حتي الآن أن يعلنوا مواقفهم بصراحة وبصرامة ضد ما يحدث هذه الأيام من مظاهر شديدة الخطورة ضد كل أدوات الدولة, وأيضا علي هذه الائتلافات أن تحدد موقفها بصراحة وشجاعة إزاء ما حدث في أثناء الثورة من هجوم علي الأقسام وحرق لسيارات الشرطة وقتل لرجالها وترويع واغتصاب واحتلال بيوت وسرقات تحت السلاح.. علي شباب الثورة أن يقولوا لنا من هو شهيد الثورة؟.. هل هو ذلك الشاب الذي خرج الي ميدان التحرير حاملا أمانة وطن وشعب غير عابئ بما قد يصيبه من ضرر وهو ينادي سلمية سلمية ناظرا الي السماء والي أقرانه وهو ينزف دماءه باسما متسائلا هل: نحن علي صواب؟.. أم أن الشهيد هو ذلك الذي حمل سيفا وسنجة وفرد خرطوش وزجاجة مولوتوف متهجما علي أقسام الشرطة حارقا لها مهدما لأركانها قاتلا لضباطها وأفرادها.؟! الأمر لا يحتاج مشورة من شيوخ فضائيات ولا فتوي رسمية من دار الإفتاء.. فقط علي هؤلاء الشباب الذين صنعوا أعظم ثورة في التاريخ الانساني أن يستفتوا قلوبهم ويتقوا الله ويعلنوها صراحة وشجاعة أنهم ضد أن تدمر البلطجة مكتسبات ثورتهم العظيمة.. واعلم أن قضية من هو الشهيد؟ هي قضية مؤجلة الي حين أن تستقر الأوضاع, وان أثارتها وتحديدها هو أمر ضروري وقادم لا محالة. {{ وفي خضم الانتفاضة الأمنية التي يرعاها اللواء منصور عيسوي وزير الداخلية ويقودها اللواء احمد جمال الدين مدير الأمن العام في أرجاء المحروسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هيبة الشرطة وامن المجتمع, تلقيت دعوة كريمة من اللواء حامد عبد الله رئيس قطاع الأمن الوطني فور أن كتبت في الأسبوع الماضي عن حق رجل الشرطة في الدفاع عن نفسه طبقا لكل ما تقرره الدساتير والقوانين في اعرق الديمقراطيات.. الدعوة كانت للمشاركة في منتدي الحوار الثاني الذي عقد تحت شعار الأمن الوطني.. آفاق المستقبل مع نخبة من أفاضل الحقوقيين والمفكرين والصحفيين وشباب الثورة إضافة بالطبع الي كبار ضباط الأمن الوطني وهو القطاع الجديد المستحدث في وزارة الداخلية والذي لا يكل ولا يمل رئيسه وقادته وضباطه وأفراده من تكرار وتأكيد انه قطاع مستحدث تماما ولا يمت بأي صلة لجهاز امن الدولة سئ السمعة المنحل. لقد استفاضت الصحف في نشر تفاصيل هذا اللقاء, ولكن لا أستطيع أن امرر هذه المناسبة من دون أن أؤكد استعادتي للتفاؤل الذي كان يلازمني دوما في الأيام الأولي للثورة والذي لا أنكر انه بدا يتلاشي شيئا فشيئا تحت ضغط الأحوال المتردية التي تشهدها البلاد. ولعل الذاكرة سوف تحتفظ بما دار في هذا الحوار من أن قطاع الأمن الوطني هو احد مكتسبات ثورة25 يناير بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني, وبالتالي فهو في حل تام من اي التزام بحماية النظام الحاكم, وان التزامه الوحيد هو حماية امن الوطن والمواطن من خلال مدونة السلوك والأخلاق.. ويالها من مدونة تتحدث عن الأخلاق في العمل الشرطي الاستخباراتي وتحلق بنا في سماء من العمل الاحترافي في أجواء من الشفافية وحقوق الإنسان مع تأكيد أن الديمقراطية هي الضمانة الأساسية لعدم حياد القطاع عن دوره من خلال فصل السياسة عن الأمن وتفعيل الدور الرقابي للسلطة التشريعية علي تصرفاته وسلوكياته مع تفعيل دور السلطة القضائية في الرقابة علي الضوابط القانونية في أعماله. المناقشات تطرقت الي ضمانات الاستمرار في العمل بهذه المدونة السلوكية الأخلاقية, حيث يجري الآن إعداد مشروع قانون ينظم جميع إجراءات العمل بالقطاع والرقابة البرلمانية والقضائية علي أعماله, إضافة الي انتقاء المرشحين للعمل بالقطاع وفقا لعدد من الضوابط الأمنية والمسلكية التي لن تعترف بأي تحديات يمكن أن تؤثر سلبا علي مجموعة القيم الجديدة حتي لا تتكرر الأخطاء التي شابت عمل الأجهزة المشابهة السابقة سواء المحلية أو الدولية حتي في القضايا الناجحة التي حققتها دون الالتزام بالمعايير الأخلاقية. {{ إنها مصر جديدة تولد الآن.. وربما لا نشعر سوي بآلام حادة تسمي آلام المخاض.!! المزيد من مقالات محمد السعدنى