جمعة العمل.. البداية الصحيحة لعودة مصر الحبيبة إلينا وعودتنا إليها.. الثورة كانت حتمية.. وطلب القصاص.. وجوبي.. والقضاء علي الفساد بديهي.. والمطالب الفئوية حق مشروع.. والحوارات لابد منها.. والائتلافات وتشكيل الأحزاب ومن سيكون الرئيس وصياغة الدستور الجديد. أمور لا مفر منها.. ولكن في خضم كل هذا غابت عنا مصر.. وغبنا عنها.. ونسينا أو تناسينا أنها المجني عليه.. الذي ينزف ولايزال ينزف.. ولم نلق بالا كيف نوقف هذا النزيف وبأسرع وقت, وان شغلنا هذا الأمر.. فيقتصر علي التفكير دون العمل.. بكينا وتباكينا كثيرا علي ما حدث في الماضي.. غضبنا وثرنا وهرولنا جميعا خلف الجناة نطلب الثأر والقصاص.. و خلفنا وراءنا المجني عليه تاركينه ينزف ويستنفد.. بكينا علي الماضي.. ولم نتنبه إن لم ننفض أحزان هذا الماضي الأليم, ونخرج من أسر أولوية الانتقام والقصاص, ونزيح أوهام أنه ليس هناك مجال للجزع علي المستقبل, ونفق من غيبوبة أن الأمور تسير علي خير مايرام.. ونعمل جميعا علي مضاعفة العمل والإنتاج بجد وجدية.. وبأقوي مما كنا عليه فسوف نبكي نحن وابناؤنا وأحفادنا.. ليس علي الحاضر فحسب ولكن علي المستقبل أيضا.. فدوام الحال من المحال.. أيام جمع إسقاط النظام.. الغضب.. الرحيل.. النصر.. الغضب الثانية.. كانت حتمية.. ولكن كان يجب ألا تنسينا أن المجني عليه.. مصر الحبيبة.. تنزف وتستنفد.. تركناها جانبا, وانشغلنا بمطالبنا الفئوية التي كانت مكبوتة والتي لا تنتهي.. وبلهفتنا المشروعة والمبررة بطلب القصاص السريع, وبالحوارات ما بين وفاق ووطني ومجتمع مدني.. انشغلنا بالأولويات السياسية وأهملنا الابعاد الاقتصادية, من يأتي أولا, انتخابات المجلس النيابي أم الدستور أم الانتخابات الرئاسية.. انشغلنا في تشكيل الائتلافات, وفي الانسحاب من الائتلافات, وفي تكوين الأحزاب, وفيمن سيكون الرئيس ومن سيكون الخفير.. وكان كل هذا همنا وهمومنا.. اختلفنا.. واتفقنا في كل هذه الأمور.. وفي خضم كل هذا.. غابت عنا مصرنا الحبيبة.. المجني عليه الذي كان يعاني من نزيف داخلي لمدة ثلاثين عاما.. حتي كشف عنه ثوار25 يناير.. ومع ذلك تركناها تنزف وتستنفد.. حتي انينها لم نعد نسمعه.. من فرط الضوضاء.. فكلنا يتكلم.. ولم يعد أحد يسمع أحدا.. كلنا انشغلنا.. رغم أننا قمنا بثورتنا من أجل مصر.. إلا أننا انشغلنا جميعا عن مصر.. غابت عنا وغبنا عنها.. لأكثر من أربعة أشهر.. تبدو وكأنها دهور ودهور.. مصر لن تحيا بالهتاف.. مصر لن تقوي بالحوارات.. مصر لن تكون رائدة بالائتلافات والأحزاب.. مصر لن تنهض ان لم يصاحب كل هذا مضاعفة للعمل والانتاج, أمن وأمان, علم وقضاء عادل نزيه.. والحمد لله أن فترة انشغالنا لم تطل, وغيابنا لم يدم, فانقشعت الغمة, واستنفرت الهمة, وتنبهنا, بعد أن نجحت العملية وقبل أن يموت المريض أن النزيف يجب أن يوقف فورا, وأن مصر الحبيبة يجب أن تضخ في عروقها دماء جديدة طاهرة ثائرة, وكان فاتحة الخير يوم جمعة العمل الموافق3 مايو2011 بداية النهضة.. وتذكرت يومها قصاصة ورق كنت قد احتفظت بها منذ أكثر من ربع قرن.. بحثت عنها في أوراقي المتناثرة.. ووجدتها.. كانت رسالة تحذير وتنبيه كتبها جبران خليل جبران عام1933, وكأنه يوجهها إلي شعب مصر المحروسة عام2011, رسالة استشرف فيها كل التداعيات التي أدت إلي قيام ثورة25 يناير2011, حذر فيها من واقع أليم كنا نعيشه لمدة ثلاثين عاما رغم أنه لم يكن يعلمه, ومع أن العمر لم يمتد به لكي يحيا حاضرنا, فإنه نبه إلي التخوف من مستقبل قادم غير مبشر بالخير لو لم نلم شتات أنفسنا, ونوحد صفوفنا, ونضاعف العمل والإنتاج وكأمة واحدة, ذات هدف واحد, واضعين نصب أعيننا بلدنا الحبيب مصر.. فمصر أولا, ومصر قبل الكل ومصر فوق الكل, وها هي رسالة جبران خليل: ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين. ويل لأمة تلبس مما لا تنسج وتأكل مما لا تزرع وتشرب مما لا تعصر. ويل لأمة تحسب المستبد بطلا وتري الفاتح المذل رحيما. ويل لأمة لا ترفع صوتها إلا إذا مشت في جنازة ولا تفخر إلا بالخرائب ولا تثور إلا وعنقها بين السيف والنطع. ويل لأمة سائسها ثعلب وفيلسوفها مشعوذ وفنها في الترقيع والتقليد. ويل لأمة تستقبل حاكمها بالتطبيل وتودعه بالصفير لتستقبل آخر بالتطبيل والتزمير. ويل لأمة حكماؤها خرس من وقر السنين ورجالها الاشداء في أقمطة السرير. ويل لأمة مقسمة أجزاء وكل جزء يحسب نفسه أمه. جبران خليل جبران 1933جبران خليل.. لا تجزع في مرقدك.. رسالتك وصلت.. فمرحلة جديدة من ثورة25 يناير قد بدأت.. فلقد آن الأوان لشعب مصر المحروسة لمضاعفة العمل والبناء والنهوض ببلدنا الحبيبة مصر.. تاركين للمجلس الأعلي للقوات المسلحة, حامي حمي الثورة, ولقضائنا المستقل النزيه الساهر علي العدالة وتحقيقها, تعقب الجناة والمفسدين وتطبيق القصاص عليهم وتطهر البلاد منهم.. دعونا نتركهم يؤدون واجبهم, ودعونا نؤدي واجبنا.. ولنشتغل نحن جموع شعبنا الأصيل بمضاعفة العمل والإنتاج حتي ننهض ببلدنا الحبيبة مصر المحروسة, والله من وراء القصد. عميد تجارة عين شمس الأسبق المزيد من مقالات د . محمد عبد المجيد