كيف يمكن أن نفهم الجديد في حياة المجتمعات والشعوب ؟ وماهي المناسبة, تري لإثارة مثل هذا التساؤل الجديد عنوان المرحلة التاريخية التي يحياها شعب مصر منذ52 يناير. والجديد يقودنا بطبيعة الأمر الي المفهوم السائد في فترات التروي والتفكير العقلاني. , ألا وهو: لا شيء يبدأ من فراغ, كل شيء له جذور, كل جديد هو ناتج صياغة تاريخية, هذا منذ أن اتجه الناس الي التفكير العقلاني بعد الثورات العلمية والصناعية والسياسية التي شكلت عالمنا الحديث. أفكار تبدو وكأنها بديهية, وهي التي تحتل هذه الأيام مكانة المدخل لكيفية فهم مغزي52 يناير في مسيرة مصر. تكاثرت الآراء وتنوعت, ومن بينها رأي العالم عالمنا الكبير صاحب مشروع الوادي الجديد الموازي لوادي النيل الاستاذ الدكتور فاروق الباز الذي كرر المرة تلو الأخري عبارات تؤكد أن الجيل الذي ينتمي إليه, جيلنا, حول علامة الستين من العمر, هو جيل فاشل. العبارة قاسية, هذا لو كانت تصف كواقع, ولو بشكل غير متكامل. ولكنها أثارت زوبعة من النقد والرفض والاستغراب الي حد الذهول: فإذا كان جيل المسنين في مصر جيلا فاشلا, فمن أين تري نجاح جيل الشباب ؟ وقد رأيت أن أقدم اليوم صفحات من استمرارية يقظة الضمير الوطني في قلب تناقضات سيرة حركتنا الوطنية, وذلك بهدف أن يتأكد شباب مصر أنه وريث سلالة نيرة متصلة بحيث يصبح لزاما عليه أن يفيد من إنجازاتها ودروسها, وذلك دعما لعزمه علي قيادة مسيرة مصر الجديدة. اللحظة الأولي والأهم ربما كانت في أداء جيلي الأربعينيات والستينيات من القرن العشرين. الجيل الأول هو جيل اللجنة الوطنية من العمال والطلبة الذي عبر عن أفكار وآراء شباب مصر في المصانع ومؤسسات التعليم بعد انتخابات من القواعد الي القيادات لم يسبقها مثيل في تاريخ مصر, بحيث أصبحت اللجنة الوطنية مركزا لتولي شعب مصر أمور البلاد بمنهج ديمقراطي وطني وتفاعل مع حكومة الأقلية السائدة آنذاك. وقد تولي مثلث شباب الوفد والحركة الشيوعية والقادة النقابيين هذه اللجنة التي فتحت بابا جديدا مشرقا أمام شعب مصر للانطلاق صوب القضاء علي الاحتلال البريطاني وسلطة الأقلية المتحكمة وبناء مجتمع الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والثقافة الوطنية. دارت الأيام, تم إحراق القاهرة يوم62 يناير.2591 ثم وبعد الأحكام العرفية, نجح الضباط الأحرار في الاستيلاء علي الحكم صباح32 يوليو2591 ثم إنهاء النظام الملكي. بدأت صفحة جديدة كان من المأمول أن تجمع بين جيل الأربعينات والجيل الجديد, وذلك حول تأميم قناة السويس وبناء السد العالي والقطاع العام لتصنيع مصر. وفي هذا الجو جاءت الوقيعة بين جيلين علي صورة التفرقة بين أهل الكفاءة وأهل الثقة, وبدأ الصراع في الظلام بين تيار ثورة يوليو والحركة الشيوعية والتقدمية. وفي هذا الجو الأسود رفض الجناح التقدمي الجريح منطق الانتقام, سيما وأن تطورات مهمة بدأت تتصاعد علي الساحة الدولية. قيادة ثورة يوليو اتجهت الي الاتحاد السوفيتي والدول الشرقية للحصول علي التمويل والخبرة الفنية والسلاح لتحقيق المشروع الوطني لمصر الصاعدة علي صورة السد العالي وماأحدثه من طفرة في مجال الزراعة والصناعة وإعداد جيش الوطن العصري. وكذا قرر جمال عبد الناصر أن يشارك في مؤتمر باندونج( ابريل5591) وهو المؤتمر التأسيسي لحركة شعوب آسيا وإفريقيا التي تطورت بعد سنوات الي حركة عدم الانحياز بقيادة ثلاثي عبد الناصر نهرو تيتو. قررت القوي التقدمية الجريحة تخطي مأساة المعتقلات والسجون والواحات والمنافي وعرضت علي قيادة الثورة إنهاء العصر الأسود, وإقامة عصر الجبهة الوطنية المتحدة لتحقيق وثبة مصر, وقد كان هذا الموقف التاريخي فاتحة لإقامة الجبهة الوطنية المتحدة بعد أن رحبت القيادة المصرية بإقامة المؤتمر الوطني لقوي الشعب العامل وإعلان ميثاق العمل الوطني( مايو2691). ماذا تعني هذه التطورات بالنسبة لمسيرة مصر ؟ إنها تعني بشكل ساطع أن جيل الأربعينات يدا في يد مع جيل الستينات وضعوا مصلحة شعب مصر ودولته الوطنية في المكانة الأولي, بحيث أمكن تعبئة الساحة الأوسع من القوي الوطنية علي طريق التحرر والديمقراطية الاجتماعية تجاه النهضة الحضارية التي كانت مسعي شباب مصر ودولته الوطنية منذ عصر محمد علي باشا حتي عبور أكتوبر. وبالفعل كانت الجبهة الوطنية المتحدة التي صنعها جيل الأربعينات وجيل الستينات رغم الصراع في الظلام, هي القاعدة المتينة التي مكنت جيش الوطن أن يواصل مسيرته بعد نكسة7691, حول نخبة من قادته التاريخيين الموهوبين من عبد المنعم رياض الي سعد الدين الشاذلي, حتي كان عبور اكتوبر3791 المجيد. لم تكن هذه الأجيال فاشلة. وإنما الفشل المؤقت جاء لحظة اتفاقية كامب ديفيد وماتلاها, ومن بعده انهيار الحليف الاشتراكي المساند لثورات دول الجنوب, ثم تفتيت نظام القطبية الثنائية(9891 1991).. كانت هذه مرحلة القيادة الفاشلة التي أهدرت إنجازات أجيال الحركة الوطنية والثورية التي لم تعرف الفشل, والتي يجدر بشباب مصر اليوم أن يفخر بإنجازاتها ليواصل المسيرة. قال صاحبي: تعال نجتمع, علي تنوع آرائنا لنعيد تقييم فهمنا لتاريخ شعبنا العظيم ماذا ؟ ماذا تقول ؟ إنك علي يقين أن جميع الوطنيين سوف يهتدون من جديد الي مناهج الألباب المصرية.. أليس كذلك ؟! المزيد من مقالات د.أنور عبد الملك