بداية أود أن أشدد علي أن ردود الافعال الدولية علي زلزال اليابان ورغم تباينها إلا انها اجتمعت علي حقيقة ثابتة وهي ضرورة البحث في الدروس المستفادة من هذا الحادث والبحث عن متطلبات التطوير اللازمة في عناصر الأمان النووي. كذلك يجب أن نؤكد أن مشروع مصر النووي ليس محصورا في انشاء محطة نووية أو أكثر.. انما يهدف إلي ادخال مصر لعصر تكنولوجيا جديد.. يعني أساسا ثورة صناعية لدخول حالة من التقدم موجودة في العالم منذ أكثر من50 عاما.. فمازلنا نعيش في ما قبل عصر البترول.. بدليل أن الصناعة الآن في مصر تعتمد علي التجميع لما ينتجه الغرب والشرق بل والشرق الاقصي.. وللآن نحن نجمع السيارات والالكترونيات وكل شيء تقريبا.. انما صناعة مثل المحركات والتربينات والموتورات والاكترونات المتقدمة والتحكم وتصنيع مكينات التصنيع الآلية والدقيقة فلا, إن الهدف يجب ان يكون الدخول لعصر جديد يهدف لتحديث اساليب العمل في كل مجالات الحياة وليس فقط في المجال التقني, انما يتعداها لتشمل ثقافة النظام والرقابة والجودة في اداء العمل ايا كان هذا العمل وفي مختلف المجالات, وما يتبع ذلك من ضرورة تحديث الصناعة بما يمكنها من دعم هذا البرنامج النووي عن طريق المشاركة الوطنية, وهذا يؤدي بالضرورة إلي تطوير اساليب الصناعات والانشاءات في جميع المجالات المختلفة وليس النووية منها فقط, ويساعد علي تطور ثقافة العمل ونشر اساليب حديثة لاصدار التراخيص للافراد والمعدات وإدارة المشروعات المتقدمة وغير ذلك الكثير. حرصت أن أعرض هذه النقاط للتأكيد علي حتمية التوجه النووي اذا ما كنا حريصين علي اللحاق بالعصر الحديث, وبناء دولة عصرية قوية, إلا انني مدفوع بمناخ الثورة وللاستفادة من التأجيل الطوعي للبرنامج النووي والذي تبنته وزارة الكهرباء والطاقة اري ان هناك حاجة لتعديل وتطوير البيت من الداخل, لنكون اكثر جاهزية لما نحن مقبلون عليه, وذلك بانشاء كيان مستقل يضم الهيئات والمؤسسات المنوط بها تطوير استخدام الطاقة النووية في مصر, يقوم علي تأسيس التكنولوجيا النووية في كل المجالات, ويجمع هذه الهيئات والمؤسسات لضمان التنسيق والتكامل بينها, فحينما قرر الرئيس جمال عبدالناصر انشاء هيئة الطاقة الذرية جعل تبعيتها له مباشرة وحينما قرر انشاء السد العالي أقام وزارة برئاسة نائب رئيس الجمهورية, فما بالك ببرنامج نقل الدولة إلي مشارف عصر جديد, وباستثمارات قد تصل إلي مائة مليار جنيه.. ألا يتطلب ذلك كيانا قويا قادر علي تحريك المياه الراكدة وتضمن عدم الانحراف عن الهدف إلي جانب قدرتها علي التنسيق مع الوزارات المعنية والمؤسسات المختلفة بغرض القيام بثورة مصر الصناعية. واعتقد ان هذا الكيان مطالب اولا بوضع رؤية مستقبلية لدور الطاقة النووية في بناء مصر وذلك من خلال حوار مجتمعي يتناقش فيه المتخصصون وجميع القوي المتصلة بهذا المشروع.. ومنها يمكن ان ننطلق لوضع خريطة طريق للخطوات المطلوبة لتحقق الهدف مع هذا المشروع, ومع تحديد سقف زمني, بمعني كيف سيكون شكل الطاقة النووية في مصر بعد ثلاثين عاما, ومن هذا نحدد ماذا يجب ان نفعل اليوم وغدا ولاحقا لنصل إلي هذا الهدف, وهنا يجب أن نؤكد علي التوجهات التالية: 1 نسبة مشاركة الطاقة النووية للوفاء باحتياجاتنا المستقبلية محددة بالتطورات المنتظرة لاستخدام الطاقات المتجددة, كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح, وترجمة ذلك إلي قدرات تولد وعدد لمحطات التوليد.. وبالتالي يكون برنامجنا موضحا به متطلبات اعداد الكوادر, والمؤسسات التي تسعي إلي ضمان انشاء وتشغيل وصيانة هذه المحطات بصورة آمنة وذات مردود اقتصادي مميز, وذات مردود تطوري في مجال التعليم, ورفع كفاءة العاملين البحثية العلمية في المجال النووي, هذا بالاضافة إلي ضرورة تحديد الوضع المستقبلي لامدادات الوقود النووي للمحطات بل وتصنيعه. 2 ضرورة تعظيم المشاركة المحلية في الإنشاء من محطة إلي أخري بمعني أن تكون المشاركة المحلية متدرجة لتصل مثلا إلي نسبة استقلال في المحطة الرابعة أو الخامسة.. وبالتالي فإن العمل يجب أن يبدأ من الآن. وشارك فيه وزارات مختلفة مثل الصناعة والتعليم والبحث العلمي والاستثمار والتعاون الدولي ضرورة بناء القدرة التصنيعية, تدريجيا حتي تكون مصر ايضا قادرة علي تصدير هذه التكنولوجيا في الشرق الأوسط وافريقية علي المدي البعيد, وذلك بالاستثمار في صناعات استراتيجية مثل التصنيع الثقيل للحديد والصلب والصناعات الكهربائية المتطورة واجهزة التحكم. فهل لنا ان نبدأ في بناء مشروع مصر النووي لنستعيد ريادة مفقودة قهرا, هل لنا ان نجعل مشروع مصر النووي هو السد العالي لثورتنا الفتية, هل لنا ان نجعل مشروع مصر النووي بوابة التقدم لمصرنا الجديدة وفي جميع المجالات. كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية