القانون... والفساد المقنن منذ بدء المدنية والصراع قائم لا يتوقف بين القانون والفساد, الأول يبتغي محاصرة الثاني للقضاء عليه, والثاني وهو الفساد في محاولات مستمرة من أجل التسلل إلي ثغرات الأول للنفاذ منها إلي تحقيق مآربه, ولأنها قوانين من صنع البشر, والفساد طبيعة بشرية, فقد نال كل من الآخر بقدر يحسب له أو عليه, حتي صرنا أمام ظاهرة تاريخية تعرف بالفساد المقنن, ذلك الفساد الذي لا يختلف اثنان علي تعريفه, ولكن القانون هو العنصر الوحيد الذي لا يستطيع محاسبته, فصار الفاسدون نجوما يطلعون ألسنتهم ليل نهار لنا جميعا, في تحد صارخ أن أحدا لن يقدر علي المساس بهم أو اتهامهم علنا بفسادهم. ولا أعني بهذا ما يدور علي ساحاتنا القضائية, رغم أنها تشهد صورة من صور الصراع بين القانون الفساد, ولكن حديثي ينصب علي هيئة عالمية كبري هي الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا الذي يشهد العالم الآن حلقة جديدة من مسلسل الفساد المقنن, وملف الفساد أصلا لا يفتح لديه, إلا بهدف الحفاظ علي بعض الفاسدين, أو لمزيد من الإفساد. فهل كان من الممكن أن تتهيأ لجنة القيم به لمحاسبة بعض من تطاردهم تهم الفساد حسب تعريفها في ظل تناغم كل الأطراف علي ما تم ويتم التخطيط له في الخفاء؟... بالطبع لا... وما كان التناحر علي المنصب الأكبر والأهم به, إلا سببا في اتهام الأطراف المتناحرة لبعضها البعض بالفساد, ومحاولة كل منها لي ذراع الثاني, للانفراد بالكعكة, أو المحافظة علي مكاسب لا يمكن التنازل عنها, أو المداراة علي مصائب يخشي من افتضاح أمرها. وإن كنت في ذلك احترت كثيرا في تفسير موقف العربي محمد بن همام الذي انتقل إلي معسكر تهديد عرش السويسري سيب بلاتر, الذي يأتي جلوسه عليه استكمالا لحقبة البرازيلي جوهافيلانج, وقد آثر الأخير الابتعاد عن الساحة, وإخلائها لخليفته, مقابل عدم فتح أي ملف من ملفاته. ولأول مرة أري بن همام يخطو خطوة غير مدروسة من جانبه, الأمر الذي يحلله البعض بأنه كان مدفوعا للنزول إلي حلبة الصراع بعجلة ليست من طبيعته, ومن دفعوه إلي ذلك, هم أنفسهم الذين أوحوا إليه بالتنازل سريعا, مداراة لمواقف قد لا نعرفها, فكانت الصيغة علي ما شهدناه وتابعناه خلال الأيام الأخيرة. ولكن السؤال الآن, هل ما تم الاتفاق عليه بين الأطراف المتصارعة, يستطيع أن يغلق ملف الفيفا المفتوح باتهامات الفساد, تلك المنظمة التي استعلت علي كل العالم وحكوماته, حتي صارت أقوي بالفعل من الأممالمتحدة بجمعيتها العمومية ومجلسها للأمن؟ الإجابة التي لا يستطيع المرء حسمها بكل تأكيد, تشير إلي أن هذا الملف قد انفتح هذه المرة, ولن يكون بمقدور من فتحوه أن يغلقوه, كما اعتادوا سابقا, لأسباب علمها لنا التاريخ, وفي مقدمتها ذلك الصراع الأبدي بين القانون والفساد, وليس كل قرار تبرئة, يعني براءة صاحبه, لكنه قد يعني أيضا عجز القانون عن إثبات فساد المفسدين والفاسدين, واعتقد أن العالم أجمع قد صار علي يقين من وجود فساد في مؤسسة الفيفا, ولكنه يعجز عن اثباته, وهي مهمة شديدة الصعوبة, خاصة في ظل تقارير تؤكد أن الفساد قد انتقل بعدواه السرطانية إلي كل المنظومة الكروية في العالم, مع تزايد نغمة الاحتراف المالي وتعاظم المقابل المالي للحقوق الكروية, التي تستاهل بالطبع الزود من أصحاب حقوقها عن مكاسبهم الفلكية بكل الطرق, وضمان عدم وصول من يهدد عروشهم إلي المنصب الأكبر والأهم في العالم الآن.... يااااااه ما أشبه ملفات الفساد ببعضها! [email protected] المزيد من أعمدة أسامة إسماعيل