مصر.. قيد الاختيار؟! يبدو العنوان غريبا: مصر.. قيد الاختيار؟! إلا أنه يعبر بصدق عن لحظة فارقة. فحتي الآن لم يحسم جموع المصريين خيارهم: هل هم مع الديمقراطية والثمن المرتفع الذي لابد من دفعه, أم أنهم مازالوا يتمسكون بالنظام القديم بكل ما فيه من بؤس ومحسوبية وتوريث وفساد تحت عنوان بائس الاستقرار؟!.. وأغلب الظن أن لحظة الاختيار هذه تضغط ليس فقط علي الجموع الصامتة بل في ذات الوقت علي النخبة الحاكمة!!. وبصراحة شديدة فإن ال100 يوم التي مرت من عمر الثورة كانت ترزح تحت سؤال ملغز وخطير: هل نحن نشهد عملية تباطؤ أم تواطؤ؟! بل وذهب البعض في الغرب إلي التشكيك بالحديث عن انقلاب عسكريوليس ثورة شعبية؟!. وأغلب الظن أن الادعاء بالتواطؤ مجرد خيالات مريضة في أذهان أصحابها, وليس أدل علي ذلك من عملية الاحتفاء المبالغ فيه بالفيسبوك بوصفه الثورة التكنولوجية الخلاقة التي أتت بالمعجزات الأمريكية, ولكي تسقط الستار الحديدي وتجلب لنا الربيع العربي. وهذه مبالغات ساذجة, فالديكتاتوريات العربية لم تكن شاخت في أماكنها بل ماتت منذ زمن طويل وتحولت إلي وصفات مرت وهو ما نشهده حاليا في ليبيا وسوريا واليمن!. وهذه الثورة المباركة في25 يناير جاءت لتنهي دولة رخوة لم يكن بمقدورها أن تستمر طويلا, وتطيح بنخبة فاسدة لم تدرك قيمة مصر, بقدر ما أغوتها الثروة الحرام, وأعماها بطش السلطة. إلا أن ذلك كله سقط, ودرس السقوط بات متاحا لجميع النخب كي تستوعبه. والآن بات ملحا التحرر من وطأة الماضي, وانتهاج إيقاع أسرع يتناغم مع قوي ثورية, ومجتمع تحرر من قيوده, وشعب يطمع في تعويض ما فاته, والأخطر أنه يريد الاستقرار والازدهار و الحرية والعدالة معا في وقت واحد بأسرع ما يمكن وبالطريقة الأكثر أمانا. وهذه في الواقع طبائع المصريين إلا أن السؤال يبقي معلقا فوق رقاب الجميع: أي مصر تختار؟. ولم تزل النخب الحاكمة والجموع الغفيرة تراوح مكانها, ولم تعط المستقبل ما يستحق من الاهتمام, فقد عادت منتديات الكلام لكي تهيمن علي المشهد السياسي كله, ولا نري أفعالا حاسمة وجريئة وذات خيال كي تجري قطيعة مع الماضي, وحتي ننطلق إلي المستقبل. وأخشي ما أخشاه أننا بالتباطؤ الحالي نغوص في رمال الماضي, ونفوت الفرصة الحالية التي تتطلع فيها العيون إلي مصر بوصفها صرعة العالم مثلما كانت جنوب افريقيا مانديلا واذا لم نستثمر هذا الوقت, فسوف نتحول الي دولة عادية مثل الآخرين!.. إذن الخيار لنا؟! المزيد من أعمدة محمد صابرين