مشروع الحاضر والمستقبل كلما تمدينت الاقاليم والأرياف تقدمت الدول والمجتمعات,وعندما تتريف المدن تزداد مظاهر التخلف وشالتدهور, وتصبح مشاهد العصبية القبلية هي الصفة السائدة في الدولة,وكثيرا ما تناولت الاممالمتحدة ظاهرة ترييف المدن بالبحث والدراسة لإظهار خطورة الهجرات من المناطق الريفية الي المدن كنتيجة مباشرة لاهمال التنمية, وعدم رفع مستوي المعيشة في المناطق الطاردة للسكان, وتدفع بالتالي المناطق الجاذبة لهم ثمنا باهظا من خدماتها ونموها فتكون النتيجة كارثية علي مختلف الاطراف والدولة ككل, وتعتبر مصر نمودجا حيا وعمليا لهذه الظاهرة عند دراستها,فالمدن المصرية الكبري لحقتها مظاهر ترييف واضحة نتيجة اهمال الاقاليم, وبالتالي الهجرة الدائمة نحو المدن بحثا عن العمل والخدمات, وغني عن القول أن العقود الاخيرة من عمر هذا الوطن شهدت تدهورا حادا في الخدمات, وظهور عشوائيات سرطانية مفعمة بالامراض الاجتماعية ألقت بظلال قاتمة علي حركة المجتمع بأكمله نتيجة تفاقم هذه الظاهرة وما صاحبها من فساد الاجهزة المحلية. ولعل أخطر تلك الامراض هي المنظومة القيمية والسلوكية التي تحكم تلك الظاهرة ومنها السلوكيات القبلية التي تجعل مثلا من القانون العرفي سيدا علي القانون المدني, وتحول القبيلة أو المسجد أو الكنيسة الي هيئات سيادية فوق الدولة, وأغلب الظن أن شيئا كهذا يحدث الآن في مصر, وأكبر مثال علي ذلك أزمات وفاء وعبير وكاميليا حيث الحديث الدائم عن قضايا الشرف, وهي ظاهرة قبلية في المقام الاول, ثم اللجوء الي رجال الدين للقيام بدور سياسي, وأيضا مبادرتهم هم أنفسهم نتيجة ضعف دولة القانون الي المغالاة في الفوز بأدوار مزعومة لحسابهم الشخصي مما يؤدي الي مزيد من الوهن في جسد الدولة. وبنظرة متأنية علي المشهد الراهن فقد يري البعض أن هذا المجتمع لاهم له سوي الصلاة والصيام والتهجد والركوع والسجود واقامة الحدود والذهاب للمسجد والكنيسة ليل نهار دون اعتبار حقيقي لقيم العمل والتعمير والتنمية ومحاربة الجهل والمرض والفقر والتخلف والعصبية القبلية, من المثير والمدهش أن نري مصر حاليا وقد تحولت فقط الي دولة مشايخ وقساوسة وهو ما يقود البلاد بالقطع الي الخلف نحو مزيد من الترييف والقبلية والعنف, وما احوجنا الآن إلي مشروع قومي شامل وحاضرا ومستقبلا ينتشل المجتمع من هذه الظاهرة الخطيرة قبل استفحالها أكثر من ذلك, ولعل عماد هذا المشروع مجددا إعلاء دولة القانون والمواطنة والعمل بشتي السبل علي دعم الديمقراطية السياسية في مواجهة الكهنوت الديني بكل أشكاله. المزيد من أعمدة عماد عريان