ما كنت أظن أن كاتبا يمكن أن يطوع له قلمه أن يتحدث الي مقام الإمام الأكبر بهذا الأسلوب الذي تحدث به كاتب مقال شيخ الأزهر.. الذي نريد بأهرام الاثنين2 مايو الحالي, واطلاقه الاتهامات جزافا علي الشيخ بما يعف اللسان عن ذكره ونجل الشيخ عن مثله. لقد كان من الممكن أن نترك هذه الكلمة تمر كسابقاتها من سيل الكتابات التي تعودت التطاول علي قامات الدين وأئمة الأمة وصلحائها, لولا أنها جاءت في ظروف فقد فيها قطاع كبير من الناس موازين الأحكام, واندفعت فيها عوامل التحلل والأنانية والانتهازية والتملق والفحش والأذي تنخر في العقول والقلوب, وتحكمت في أساليب الفهم والأداء والعمل والمعاملة دون تقيد بدين ولا خلق ولا نظام ولا قانون ولا ضمير. وكان الأجدر بالكاتب أن يتحقق قبل أن يتهم الإمام الأكبر بالأنفاق من صندوق النذور علي من يؤدون خدمات الأزهر ويعاونونه في عمله من مستشارين وخبراء, ليعرف أن هذا الامام رفض ورعا تقاضي مخصصاته المالية باعتباره بدرجة رئيس وزراء وتنازل عن مرتبه ورد كل ما تقاضاه من راتب منذ أن تولي المشيخة, ولا حاجة لنا بالتحدث عن شخص الإمام في هذا الأمر, فالقائمة تطول وانما ما يعنينا في هذا المقام هو المبادئ. وكان الأجدر بصحيفة في ثقل الأهرام, احتراما لضمير الأمة وشعورا بنبض جماهيرها أن تستوثق مما ينشر علي صفحاتها من معلومات, وان تتحقق من أمانة عرضها قبل الإقدام علي ذبح ضحاياها وسلخها وتفريق لحومها علي خلق الله في سوق الانتهازية والنفاق والله أشد بأسا وأشد تنكيلا. إن الإعلام الذي يؤسس مدرسته علي الاثارة والتشكيك باسم الحرية جريا وراء دعاوي التغريب والاندماج والعولمة دون مراعاة لحرمة الكلمة التي أؤتمن عليها أنما يحقر ما عظمه الله إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم. وأن الصحافة التي تلفق الأكاذيب وتصنع الأوهام, إنما تنشر الفساد, وتفقد الناس ثقتهم بأنفسهم وبدينهم وبقيمهم, إنها تدمر ولا تبني. تفسد ولا تصلح, تفرق ولا تجمع, ولقد فقد أكثر الناس بفعل الأكاذيب والأوهام والفواحش التي تطالعنا بها وسائل الإعلام صباحا ومساء الشعور بوجود الفضيلة والخير والحق والعدل. لقد أعجزت معاول الهدم كثيرا من الناس أن يظنوا بأنفسهم خيرا( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين) النور.21 ( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم). كم هزني هذا المشهد الذي أري فيه الكاتب يمتطي جواد الثورة ويشهر سيفه في وجه الامام الأكبر آمرا فضيلته بالرحيل في الوقت الذي أري فيه كثيرا من علماء الأزهر وأهل الفضل والأدب والتقوي يتحرجون من الدخول الي مكتب الامام الأكبر قبل التأكد من انهم مازالوا يحتفظون بوضوئهم, وما ذلك إلا لهيبة الدين في قلوبهم وسمو القيم في نفوسهم, وأري فيه الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء يأبي أن ينتقل الإمام الأكبر اليه لتهنئته, ويصر علي أن يذهب هو الي الإمام لتلقي هذه التهنئة عنده بمكتبه ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب. فأمثال هؤلاء هم رجال الثورة, وأمثال هؤلاء هم شباب الثورة. إن الحفاظ علي القيم هو الضمان الحقيقي لبقاء الثورة نابعة من ضمير الأمة, فليس بالنظم الاقتصادية ولا بالنظم السياسية تبني الأمم, إنما بالنظم الأخلاقية النابعة من تراث الأمة وحضارتها. أنني لاتعجب ممن كانوا يتملقون النظام بالأمس, هم هم الذين يتملقون الشارع اليوم. واني أتعجب من هؤلاء الذين ظهروا فجأة علي سطح الأحداث اليوم ليحكوا لنا بطولاتهم في وجه السلطان الجائر بالأمس, وأعجب أيضا لعمليات السطو علي الثورة باسم الدين تارة وباسم الديمقراطية تارة وباسم الحرية تارة في الوقت الذي يبدو فيه الإجهاز علي الأزهر الذي يمثل ضمير الأمة هدفا مقدسا لامجرد تقليمه وتحجيمه كما كان في عهد الأنظمة السابقة. كما اتعجب من انحطاط لغة الخطاب, وكم السباب والشتائم. وحجم التشفي الذي يقطر سما من الألسنة ويتفجر حقدا من القلوب. ان الدعوات الهدامة, وغياب القيم, وشيوع الفوضي, واختلال الموازين لاتقوم إلا في غفلة من وازع الروح, وفقدان موازين الأحكام لايكون إلا مع فقد الوسطية التي حجز بها الأزهر مكانته في التاريخ وبين الأمم كافة, ان ما يتخوفون منه مما يطلقون عليه الثورة المضادة لايأتي من خارجها وإنما من داخلها وبفعل هذه النماذج المتسلقة ممن يحسبون انهم يحسنون صنعا ويبقي السؤال من المقصود: هل هو الدكتور أحمد الطيب؟ أم شيخ الأزهر؟ أم الأزهر الشريف؟ د. محمد عبد الصمد مهنا أستاذ القانون الدولي بجامعة الأزهر