شهدت مصر موجة متصاعدة من الإضرابات العمالية بعد ثورة52 يناير, وصفها البعض بأنها فئوية تضر بالاقتصاد الوطني, ولم يفهم هؤلاء أن هذه الإضرابات جاءت نتيجة معاناة طويلة, حرم العمال خلالها من الحصول علي أبسط حقوقهم في علاقات عمل عادلة وأجر يتناسب مع تكاليف المعيشة ودورهم في الإنتاج والخدمات, وأن العمال حرموا طويلا من وجود تنظيم نقابي يدافع عنهم ويتبني مطالبهم العادلة. فالنقابات الرسمية في مصر كانت جزءا من نظام الحكم تأتمر بأمره وتتحالف مع كبار الرأسماليين ضد العمال ولاتصرح لهم أبدا بممارسة حقهم المشروع في الإضراب.. ولذلك فإن كل الإضرابات التي نظمها العمال قبل الثورة وبعدها كانت خارج هذه النقابات الرسمية ورغما عنها. من هنا فإن الحل الحقيقي لهذه الموجة من الإضرابات العمالية المتصاعدة يأتي بإقرار حق هؤلاء العمال في بناء نقاباتهم الحرة التي تتشكل بإراداتهم الحرة لتدافع عن مصالحهم, حيث ستتمكن هذه النقابات من خلال المفاوضة الجماعية مع أصحاب العمل من الوصول إلي إتفاقيات جماعية تنظم حصولهم علي مطالبهم العادلة وفق جدول زمني محدد, كما تحدد إلتزامات العمال في العملية الإنتاجية. وهو مابدأه بالفعل عمال مصر عندما شرعوا في تأسيس نقاباتهم المستقلة خارج التنظيم النقابي الرسمي وأسسوا فيما بين هذه النقابات( الإتحاد المصري للنقابات المستقلة), وإعترفت وزارة القوي العاملة بهذه النقابات وأعد وزير القوي العاملة مشروع قانون جديد للنقابات العمالية يعترف بهذا الحق ويفتح صفحة جديدة للحركة النقابية العمالية في مصر سوف تساهم كثيرا في إستقرار العلاقة بين العمال وأصحاب الاعمال. من المهم هنا أن نتعرف علي الأسس والقواعد التي تحكم الحرية النقابية, وأن مصر ملتزمة بهذه الأسس التي تجاهلها العهد البائد طويلا فأدرجت مصر في القائمة السوداء مع الدول التي تتجاهل أسس الحرية النقابية حيث وقعت مصر علي الاتفاقيات الدولية التي تنظم هذه الحريات وصدقت السلطة التشريعية عليها ويأتي في مقدمة هذه الأسس والقواعد. حق العمال في إنشاء نقاباتهم بأنفسهم دون أي تدخل من طرف آخر سواء كان الحكومة أو أصحاب الأعمال. وحق العمال في الانضمام إلي هذه النقابات أو الانسحاب منها. حق العمال في وضع لوائح هذه النقابات وإنتخاب قياداتها وإداراتها بأنفسهم وصياغة برامجها وحقها في تكوين اتحادات فيما بينها وفي الانضمام للمنظمات النقابية الدولية. لايجوز حل هذه النقابات بقرارات إدارية ولايجوز وضع شروط تنتقص من هذه الحقوق لتمتع النقابات بالشخصية الاعتبارية. تمتع العمال بحماية كافية من كل عمل ينطوي علي التمييز ضد العمال بسبب إنتماءاتهم إلي النقابات والتزام الدول بكفالة هذه الحقوق وعدم اتخاذ تدابير تشريعية تخل بالضمانات الخاصة بحرية النقابات. ومن بين الإجراءات التي تكمل هذه الأسس للحرية النقابية حق النقابات في مفاوضة أصحاب الأعمال للوصول إلي اتفاقيات جماعية تحدد التزامات كل طرف تجاه الآخر وبذلك تتوافر الشروط اللازمة لإستقرار العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال واستقرار العملية الإنتاجية. وكلما أسرعنا في مصر بالاعتراف القانوني بالحرية النقابية والمفاوضة الجماعية سوف تسير مصر أسرع نحو استقرار العملية الإنتاجية مما يساهم في ازدهار الاقتصاد المصري. عاني العمال في مختلف الدول طويلا من حرمانهم من قيام نقاباتهم الحرة وتعرضوا للقمع السافر أحيانا ومن الخداع أحيانا أخري بإقامة نقابات تسيطر عليها الحكومات أو يسيطر عليها أصحاب الأعمال بل يسيطر عليها أحيانا عصابات ممولة من أصحاب الأعمال للانحراف بها عن رسالتها الحقيقية, وتصدي العمال لهذه المحاولات ودفعوا ثمنا غاليا للتمسك بحرية نقاباتهم ولم يتوقفوا عن النضال طوال القرن العشرين من أجل بناء نقاباتهم الحرة وتحقق لهم ماأرادوا في بداية القرن العشرين وبعد ثورة9191 وبعد الحرب العالمية الثانية وتعرض زعماؤهم للسجن والتشريد والفصل من العمل بسبب نضالهم النقابي, وإستطاعوا رغم كل أجهزة القمع والإرهاب في العهد البائد أن يقيموا أول نقابة مستقلة لموظفي الضرائب العقارية عام9002 وأن يجبروا الحكومة علي الاعتراف بها, وكانت مشاركة العمال في ثورة52 يناير تأكيدا لوعيهم أن هذه الثورة سوف تفتح لهم الباب واسعا لاستعادة حرياتهم وحقوقهم المسلوبة. ولايفوتنا هنا أن نشير إلي أنه من أهم أركان الحرية النقابية كما نصت عليها الإتفاقيات الدولية إستقلال النقابات عن أي طرف خارجي وخاصة الحكومات وأصحاب الأعمال والأحزاب السياسية, لأن هذه النقابات يجب أن تعبر فقط عن إرادة أعضائها ممثلة في الجمعية العمومية للنقابة التي تضم جميع أعضاء النقابة وألا يكون هناك أي تأثير علي مواقف النقابة من خارجها, ولاتستغل النقابات لتحقيق أهداف سياسية فقد تأسست النقابات للدفاع عن مصالح العمال وليس لأي غرض آخر.. وهو أمر يدعونا لرفض توجه الإخوان المسلمين إلي إنشاء نقابات إخوانية واتحاد عمال إخواني. كما صرح بذلك مسئول النقابات في الجماعة, وهو توجه خطير سيؤدي إلي إنقسام الحركة النقابية والخروج بها عن دورها الحقيقي واستخدامها في الصراعات السياسية, فضلا عن أنه خروج صريح ومخالفة كبيرة لمباديء الحريات النقابية كما وردت في الاتفاقيات الدولية, ولن يقبل عمال مصر هذا التوجه كما لن تقبله المنظمات النقابية الدولية. وعلينا جميعا أن نحترم الحريات النقابية واستقلال النقابات لنسهم بذلك في تعزيز قدرة هذه المنظمات علي القيام بدورها في توفير الشروط الضرورية لاستقرار المجتمع وازدهار الاقتصاد المصري.