بدا شهر فبراير قبل أحد عشر عاما فارقا بالنسبة للحياة التركية فرغم الاوضاع الأقتصادية السيئة والتي ترتب عليها تعويم كامل للعملة المحلية. مما أدى إلى تخفيض حاد لقيمتها إلا أن الملايين عاشوا فرحة لا تضاهيها أخري عندما استيقظوا منتصف ذلك الشهر علي نبأ اعتقال عبدالله اوجلان, وعلي الفور تدثرت عوائل الشهداء بأعلام البلاد بلونها الأحمر دم الذين سقطوا دفاعا عن وحدة الوطن وهلالها الابيض ونجمته الناصعة الشاهدة علي ذلك تاركين منازلهم كي يجوبوا الميادين إحتفالا بسقوط قاتل أبنائهم. رغم علامات الوهن إلا أن بولنت إجيفيت رئيس الحكومة آنذاك تحامل علي نفسه ووجه تهنئة حارة لرجال الامن الاتراك لنجاحهم في عمليتهم الجسورة والتي أفضت بالتعاون مع أصدقاء لتركيا إلي القبض علي هذا الانفصالي في العاصمة الكينية نيروبي وترحيله إلي الاناضول كي يمثل أمام العدالة. وبالطبع كانت الصدمة مروعة بالنسبة لأوجلان الملقب من قبل أقرانه ب' آبو' الزعيم المفدي والذي انتابه الغرور لمناطحته الدولة قرابة خمسة عشرة عاما بعد ان كانت تتخيل في عهد تورجوت اوزال أنها بمقدورها القضاء عليه في24 ساعة, ومن ثم لم يدر بخلده أن يدا مهما كانت قوتها يمكن أن تطوله ولأنه محصن هنا أطلق العنان لحنجرته كي تتوعد تركيا قبل شهر فقط وربما أقل من اختطافه بعمليات دموية في انتظارها! نفس الشئ وقع خبر سقوطه علي أتباعه ومناضليه في الجبال ومن هم علي شاكلته في أركان مختلفة من العالم كالصاعقة فأصابهم الغم والكرب وعلي غرار ما حدث للاستكلندي مع الفارق الشاسع ويليام ولاس في القرن الرابع عشر أكدوا علي أنهم ماضون في كفاحهم من اجل' كردستان حرة وكبري' عضد من عزمهم هذا موجه اعلامية عاتية من الغرب والشرق علي السواء مرئية ومقروءة تكالبت إجمالا علي توجيه سهام النقد لأنقرة وأعوانها من أجهزة الاستخبارات, وفي الوقت ذاته امتزجت التعليقات نحوهما بقدر عال من السخرية كونهما تضافروا جميعا علي رجل واحد يناضل من أجل الحرية! فالنيوزويك وكذا التايم الامريكيتان في عدديهما الصادرين بالأول من مارس عام1999 إختارا أوجلان ضيف شرف علي غلافيهما وبداخلهما ملف عن الزعيم الانفصالي, وصيحات الغضب علي وجوه الكرد البؤساء عكستها الاكسبريس الدولية الفرنسية علي غلافها وذلك في عددها رقم2479 بنفس الشهر والسنة واعتبرت اللوموند ديبلوماتيك في يونيو عام1999 مثول أوجلان أمام القضاء بمثابة محاكمة للشعب الكردي علي حد وصف ميشال فيريه. تلك كانت قراءة فبراير عام1999 والآن وبعد مرور أكثر من عقد نتساءل تري هل حمل فبراير الحالي ما هو مختلف ومغاير؟ بالقطع ثمة تغير فالجنوح إلي العقل والتخلص من نبرة العواطف كانتا سمتا السنوات الماضية, وهاهو الغرب الأوروبي والأمريكي معا زادا من تأكيدهما علي وضع المنظمة في قوائم الحركات الارهابية ولم يكتفيا بذلك بل عاقبا المروجين لافكارها كما حدث في المانيا قبل عامين تقريبا وتمثل في قيام وزارة الداخلية بها بتوجيه تحذير إلي الشبكة التليفزيونية روج تي في الكردية وإنذارها بالغاء بثها إنطلاقا من الاراضي الالمانية. وبالتزامن إتفقت أنقرة وواشنطن علي مواجهة العناصر الانفصالية والمنعوتين في الحديث اليومي التركي الPKK خصوصا في شمال العراق, ومن جانبه رفض الاتحاد الاوروبي مزاعم محامي أوجلان بشأن محبسه الذي تأكد أنه ينطبق والمعايير الأوروبية الموضوعة في هذا الشأن, كذلك تم العدول وبشكل نهائي عن محاكمته من جديد. في الداخل وبين الحين والآخر تقع أعمال إرهابية صحيح بدرجة أقل مقارنة بسنوات مضت إلا أنها تطال أبرياء وتعرض منشآت وممتلكات عامة وخاصة للخطر الداهم كما حدث في الايام الاخيرة, غير أن هذه الحوادث تزيد من تعاطف المجتمع الدولي ومساندته للدولة في كفاحها ضد الأرهاب خاصة مع الخطوات المهمة التي اتخذت من قبل حكومة العدالة والتنمية الحالية بشأن الانفتاح علي المجتمع الكردي إن جاز التعبير وعدم رفض الجيش الحلول السياسية لتلك المعضلة. والاكراد في هضبة الاناضول لم يعودوا في منأي عن تفاعلات مجتمعهم الكبير والتطورت الحاصلة بالفعل في محيطهم الاقليمي وطبيعي أن تشهد صفوفهم إنقساما في الرؤي التي تباينت وتباعدت, بيد أن فريقا منهم ومعه قطاع من المواطنين يؤازره بات يؤكد علي ضرورة عدم خلط النضال السلمي بالعنف أو الدعوة اليه وتأسيسا علي ذلك لم يعد يخف هؤلاء رغم ما قد يواجهونه من حملات تصفية جسدية علي أيدي إرهابيي المنظمة الانفصالية من طرح هواجسهم المشروعة فالجبال رغم حوافها الصلدة وجغرافيتها القاسية إلا أنها لم تجلب سوي الخراب, والأهم أن أوجلان القابع في جزيرة إمرالي ليس سوي أحلام مكسورة من فرط العنف الذي تمنته.