اليأس قاتل.. أو هو شبيه الإنتحار.. وقد يؤدي إليه بالفعل.. والذي يلجأ إلي اليأس أو يستسلم له ليس من أصحاب النفس الطويل.. والإنسان في هذه الحياة الدنيا إذا أراد أن يبلغ شيئا أو يحقق هدفا فلابد له أن يتحلي بالنفس الطويل. والنفس الطويل يعني القدرة علي الصمود, والتصدي للأنواء التي يتعرض لها الأحياء في سعيهم من أجل تحقيق هدف دنيوي.. أما من كان نفسه قصيرا, أي يضرب عن العمل ويمتنع عن إكمال المسيرة فهذا لن يبلغ شيئا. كما ييأس البعض إذا كانوا في حال يسر, ثم تبدل اليسر وحل محله العسر وهذا يحدث علي سبيل الإبتلاء ولكنهم لايأخذونه هذا المأخذ, ويظنون أن الدنيا أدبرت عنهم بعد أن كانت مقبلة عليهم, فيرفعون راية اليأس.. وليس هذا هو أسوأ مافي الموضوع, بل الأسوأ هو أنه قد يجرهم إلي الكفر والعياذ بالله ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤس كفور( هود9). وفي سورة الإسراء زيادة, إذ يذكر المولي عز وجل أحوال أناس إذا أنعم الله عليهم, لم يقوموا بحق النعمة وأوله الشكر, وإنما أعرضوا عن ربهم وأخذوا منه جانبا, فإذا زالت النعمة عنهم يئسوا وقنطوا وإذا أنعمنا علي الإنسان أعرض ونأي بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤسا( الإسراء38) فهم إختاروا الأسوأ في حال النعمة وفي حال زوالها(!). وقوم آخرون لايملون من دعاء الخير.. وطالما أنهم في نعمة فهم راضون مطمئنون, فإذا تبدل الحال وإبتلوا بالشر لم يصبروا عليه ويحتسبوه عند الله, بل إستسلموا لليأس وحطوا رحالهم عندهم لايسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤس قنوط( فصلت94).. لايجمل بالإنسان أن يكون هكذا.. فالله يختبره بالخير مرة وبالشر مرة, ليري رد فعله في حال الرخاء وفي حال البلاء.. ويتم تقييمه علي هذا الأساس لتبلون في أموالكم وأنفسكم( آل عمران681).. فالذي يتقبل ما يجريه الله عليه إن كان الإبتلاء بالشر, ويحمد الله ويثني عليه إن كان الإبتلاء بالخير, ويجعل للمحرومين ومن قدر عليهم رزقهم نصيبا مما زرقه الله.. الذي يفعل هذا فقد إجتاز الإختبار بنجاح.. أما غير ذلك فهو فشل ذريع وسقوط مدوي. ومن صور اليأس أن يترك الإنسان لنفسه الحبل علي الغارب, ويأتي من المنكرات والموبقات أكثرها قبحا ونكرا, حتي إذا انتبه فجأة إلي أنه أوغل في المعاصي, أصابه اليأس من رحمة الله, ومضي في طريق الغواية حتي النهاية.. في حين كان الأولي به أن أو يستغفر الله ويتوب إليه نادما علي مافعل ويحاول أن يكفر عن سيئاته بالعبادات والصدقات وفعل الخيرات, لعل الله أن يتقبل توبته ويغفر له ذنوبه, أما اليأس فهذا يخدم غرض الشيطان ولايخدمه هو.. قل ياعبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم( الزمر35).. اليأس يشل حركة الإنسان ويجمد نشاطه ويقضي عليه.. فلا ينبغي أن يركن الواحد من الناس إليه, بل يأوي إلي الله ويتمسك بالأمل في رحمته, فقد يجعل الله له من بعد ضيق فرجا, وليس ذلك علي الله ببعيد...