التماسك الاجتماعي يمكن التعبير عنه بالبناء الاجتماعي, فمظاهر الحياة المتنوعة يمكن ان تؤلف فيما بينها وحدة متماسكة, في هذا السياق يكون القانون هو المنظم للعلاقات الاجتماعية والنظام السياسي والاقتصادي, كما تلعب العادات والتقاليد دورا مهما في عملية البناء الاجتماعي. هناك ايضا العديد من العلامات المهمة لعملية التماسك الاجتماعي, من أهمها التوازن الداخلي الذي يساعد المجتمع علي الاستمرار في الوجود, كما ان النظرة الكلية للمجتمع تسهم في عملية التوازن الداخلي. ومع ذلك لابد من الإشارة إلي أنه لايوجد مجتمع في حالة تكامل تام, فعملية التوازن الديناميكي هي العملية السائدة والتي تسهم في تغيير المجتمع. هذا التوازن يتحقق عندما يتفق المجتمع علي منظومة القيم الحاكمة والسعي الي تطبيق القانون. هناك عوامل عديدة لاستمرار عملية التماسك الاجتماعي, من أهمها الجوانب المادية, التي تتمثل في العمل والسكن والرعاية الصحية وغيرها من مظاهر الحياة المختلفة, هذه العوامل المادية عندما ترتبط بالأمان والتحرر من الخوف يحدث داخل المجتمع مايمكن تسميته بالتفاعل الايجابي بين الافراد والمجموعات, ولكي يتحقق التماسك الاجتماعي لابد من تجاوز المساواة الي العدالة. ان القوانين والدساتير مكتوبة بطريقة مثالية, لكن هناك فجوة كبيرة بين ما هو مكتوب والممارسات العملية, ومن هنا تأتي أهمية السياق الثقافي كألية مهمة تساعد في تفعيل المكتوب في الواقع. فمما لاشك فيه أن الثقافة تملك وظائف مهمة في المجتمع, فهي تزود المجتمع بالمبرر الشرعي لأنظمة الإنتاج والتوزيع, كما أنها تربط بين الهوية وعملية الإنتاج, ومن ثم تلعب الثقافة دورا رئيسيا في كونها تسهم في تقديم تفسير مجازي فيما يتعلق بالحدود الطبيعية للحياة الإنسانية. ان النظرة السريعة للمجتمع المصري ولاسيما العقود الخمسة الأخيرة, يمكن ملاحظة عملية الهجرة الداخلية والتحول السريع في المجتمع الريفي إلي الحضر, هذه العملية في التحضر ارتبطت بعملية الرخاء الاقتصادي والمشاركة السياسية الفعالة والاشتراك في عملية التقدم الاجتماعي والثقافي لكن الواقع أثبت غير ذلك فارتبطت عملية التحضر بالعشوائيات والتراجع الاقتصادي وبروز قيم جديدة متناقضة, مما دفع الكثيرين إلي الرغبة في العودة الي الماضي والي منظومة القيم الأولي والي المفاهيم المطلقة للدين, هذه العودة ساهمت في ايجاد ممارسات اجتماعية وثقافية ودينية مضطربة وعشوائية. ومن هنا حدثت فجوة عميقة بين القوانين التي تدعو إلي المساواة وبين الممارسات العملية والتي أدت في النهاية الي مجتمع تحكمه العلاقات أكثر من مجتمع يحكمه القانون. هذه العملية تجعل المساواة مفهوما نخبويا وتسهم في عملية الفرز الطائفي, وتدمر عملية التعددية, والتي هي الأساس الرئيسي لعملية التماسك الاجتماعي. ان ربط المساواة بالعدالة أمر مهم لتحقيق التعددية الايجابية, وذلك لأن التعددية حينما ترتبط بالامتيازات والمصالح الخاصة تعتبر أداة تفتيت وتدمي,ر لكن التعددية تسهم في ثراء التماسك الاجتماعي حيثما تؤسس علي مفهوم التنوع وأحقية كل شخص في فرص متساوية دون النظر إلي خلفيته الدينية أو السياسية أو العرقية. التعددية أيضا مفهوم إيماني. فالعودة إلي سفر التكوين في التوراة وبدراسة الوعد الذي اعطاه الله سبحانه وتعالي إلي إبراهيم نجد هذه الكلمات وفيك تتبارك جميع قبائل الأرض. هذه الكلمات تعني أن البركة ليست لشعب واحد أو قبيلة واحدة بل البركة هي لجميع قبائل الأرض وهذا هو أساس التعددية البركة للجميع. إن التماسك الاجتماعي يتحقق عندما نحاول تحطيم اللوحات التي تصنف الآخرين. إننا نحتاج إلي مايمكن تسميته ب إعادة التسميةRenaming إن اليافطات التي نعلقها علي الآخر مثل هذا ليبرالي, أو علماني, أوأصولي أو غيرها من التعبيرات الطائفية تسهم في هدم الآخر واستبعاده, لذا نحتاج الي إعادة تسمية يمكن من خلالها معرفة الآخر كما هو وليس كما نتصوره. أو نحاول أن نتصوره هذه العملية من إعادة التسمية لابد ان ترتبط بعملية ما يمكن تسميته بإعادة الصنعRemaking أو مبادرات جديدة غير تقليدية يمكنها ان تسهم في العبور بالجماعة الوطنية إلي أرض جديدة بها مساحات مشتركة أوسع, ولديها قدرة علي الاعتراف بالاختلاف. إن عملية إعادة التسمية, وكذلك إعادة الصنع ضرورية لمواجهة التوتر الطائفي, وكذلك هي أساسية في عملية التماسك الاجتماعي.