(الجزء الأول) بالإطلاع على الحركة النقابية للموظفين العموميين في كثير من دول العالم الحر يكشف عن قيام هذه الحركة بدور قوي وفعال في سبيل الدفاع عن حقوق الموظفين ومصالحهم وضمان مستوى لائق للمعيشة لهم. وهو دور دائب مضطرد تنشغل به كافة أجهزة الدولة، ولا يكاد أن يغيب قط عن مركز دائرة اهتمام كل أجهزة الإعلام والرأي العام في تلك الدولة، ومثال ذلك اهتمام الرأي العام والإعلام في فرنسا بالحركة النقابية للموظفين في فرنسا نظرا لما تتسم به هذه الحركة من قوة وفاعلية مستمرة وخير مثال على ذلك تقارير خاصة بالنقابات في جريدة ليموند الفرنسية. وعلى النقيض من ذلك فإننا لا نكاد نلمس أي دور لحركة نقابية للموظفين في مصر ولا تكاد هذه الحركة أن تكون واحدة من شواغل السلطة في مصر ولا تلقى هذه الحركة أدنى اهتمام من جانب أجهزة الإعلام ولا من جانب الرأي العام بصفه عامة بل ولا من جانب الرأي العام في دائرة الموظفين العموميين أنفسهم، وما ذلك إلا نتيجة لمظاهر الضعف الشديد الذي تعاني منه تلك الحركة والذي تمثل في. أولا: انتفاء مشاركة الحركة النقابية في تقرير أوضاع الوظيفة العامة في مصر. ثانيا: الافتقار إلى حق التفاوض وعقد الاتفاقات الجماعية. ثالثا: حرمان الحركة النقابية للموظفين في مصر من سلاح الإضراب. ولنأخذ كل ظاهرة على حدة ونبحث فيها عن المظاهر والأسباب: أولا : انتفاء مشاركة الحركة النقابية في تقرير أوضاع الوظيفة العامة في مصر: بينما يتصاعد الاتجاه في العالم الحر نحو تدعيم دور نقابات الموظفين العموميين في المشاركة في تقرير أوضاع الوظيفة العامة نجد أن الحركة النقابية للموظفين في مصر لا تسهم في ذلك المجال بأي دور يذكر (ولإيضاح ذلك القصور فإننا نعرض بإيجاز بعض النماذج التي توضح مشاركة نقابات الموظفين في تقرير أوضاع الوظيفة العامة في بعض دول العالم، ونعقب ذلك بعرض لوضع الحركة النقابية للموظفين في مصر) في ذلك الصدد. 1- النموذج الإنجليزي: تكفل إنجلترا لنقابات الموظفين العموميين مشاركة قوية وفعالة في تقرير أوضاع الوظيفة العامة فيها، وذلك من خلال نظام اشتهر باسم نظام الويتلي Whitely Council حيث تشكلت لجان مشتركة على المستوى القومي ومستوى الوزارات والمحليات تضم ممثلين عن الدولة وممثلين عن النقابات. ويتشكل مجلس الويتلي القومي من 52 عضوا منهم 24 عضوا يمثلون الحكومة و28 عضوا يمثلون نقابات الموظفين يتم تعيينهم بناء على اتفاق بين نقابات موظفي الخدمة العامة المعترف بها، ويرأس المجلس رئيس الخدمة المدنية البريطانية ويختص هذا المجلس القومي بتقرير المبادئ العامة التي تحكم كافة أوضاع الخدمة المدنية بما في ذلك الأجور وساعات العمل والترقيات، وهو يختص بإبداء الرأي في مشروعات القوانين التي تؤثر على موظفي الخدمة المدنية فيما يتعلق بوظائفهم. وفي حالة عدم إمكانية وصول جانب الحكومة وجانب نقابات الموظفين إلى اتفاق على قرار واحد فإن الأمر يمكن عرضه على محكمة تحكيم مستقلة. ويكون ما يتفق عليه في مجلس الويتلي القومي نافذا وملزما من الناحية العملية بمجرد إبلاغه لمجلس الوزراء. ويلاحظ أن مجلس الويتلي القومي يعني بالمسائل العامة والمبادئ الأساسية فقط ولا يتعرض لأي حالة خاصة. أما مجالس الويتلي الخاصة بالوزارات والوحدات الإدارية الرئيسية الأخرى فإن كل واحد منها يختص بأوضاع الخدمة في داخل الوزارة أو الوحدة الإدارية المسئول عنها بما في ذلك الأجور وساعات العمل والترقيات والتدريب. وتتمثل هذه اللجان من حيث تشكيلها وتمثيل نقابات الموظفين فيها وطريقة العمل وأثره مع مجلس الويتلي القومي. أما مجالس المقاطعات والأقاليم فإنها تضم أيضا ممثلي نقابات الموظفين على ذات النحو سالف الذكر، وهى تختص بتناول أوضاع الخدمة على نطاق المقاطعة أو الإقليم وإبلاغ مجالس الوايتلي الخاصة بالوزارات، وتقوم هذه اللجان المحلية بدور هام في حل المشاكل المحلية الخاصة بأوضاع الخدمة المدنية. وتبدو قوة مشاركة نقابات الموظفين في إنجلترا في تقرير أوضاع الوظيفة العامة في النسبة العالية من التمثيل التي تكفل لها في مجالس الويتلي، وحرية النقابات في الاتفاق على اختيار ممثليها في تلك المجالس إلى جانب سلطة التقرير القوية النافذة. ومع ذلك فإن الدولة تملك السلطة النهائية في إدخال التعديلات على تلك الأوضاع بقرار منفرد إذا ما رأت ذلك حتى في الأمور التي يكون القرار قد اتخذ فيها بناء على حكم من محكمة التحكيم للخدمة المدنية إلا أن استخدام الدولة لتلك السلطة يكاد أن يكون منعدما تقديرا لقوة نقابات الموظفين، وثقة في أسلوب التشاور من خلال مجالس الويتلي. 2- النموذج الألماني: يأخذ المشروع في جمهورية ألمانيا الاتحادية بأسلوب يكفل المشاركة الحقيقية لنقابات الموظفين العموميين في تقرير الأوضاع المتعلقة بشئون خدمتهم الوظيفية حيث يوجب القانون في جمهورية ألمانيا الاتحادية أخذ رأي نقابات الموظفين في شأن وضع القوانين واللوائح المحددة لأوضاع الوظيفة العامة. وفي حالة الاختلاف في الرأي بين جهة الإدارة وممثلي نقابات الموظفين يعرض الأمر على البرلمان للفصل فيه. بالإضافة إلى ذلك فإن اتحادات نقابات الموظفين في ألمانيا الاتحادية تشارك في عضوية اللجنة الاتحادية للموظفين وهى هيئة رسمية استشارية لإبداء الرأي فيما يتعلق بإعداد التشريعات واللوائح المتعلقة بالوظيفة العامة وتنفيذها وتتشكل هذه اللجنة من سبعة أعضاء تعين ثلاثة منهم اتحادات نقابات الموظفين. ويضاف إلى ما تقدم أن المشروع الألماني قد كفل لممثلي نقابات الموظفين المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بهم على نطاق كل وحدة إدارية على حدة من خلال ما يعرف بمجالس الموظفين، وتتشكل هذه المجالس من ممثلين نقابيين منتخبين من قبل الموظفين، ويتعين على رئيس كل وحدة إدارية أن يجتمع بمجلس الموظفين الخاص بوحدته الإدارية مرة واحدة على الأقل كل شهر للمناقشة في الشئون الداخلية للوحدة وكل المسائل ذات التأثير على الموظفين، وفي حالة الاختلاف على بعض الأمور فإنه يجري التفاوض حولها، ولا يجوز لرئيس الوحدة الإدارية أن يتخذ قرار في بعض المسائل المتعلقة بالموظفين في حالة عدم موافقة مجلس الموظفين على ذلك القرار. وفي حالة عدم إمكانية التوصل إلى اتفاق يكون لكل من رئيس الوحدة الإدارية ولمجلس الموظفين أن يعرض الأمر على الرئاسة الإدارية وعلى مجلس الموظفين الخاص بمستويات إدارية أعلى، وفي حالة فشل ذلك يمكن في النهاية عرض الأمر على هيئة توفيق مكونة من سبعة أشخاص، ثلاثة منهم معينون من قبل ممثلي الموظفين وثلاثة آخرون تعينهم جهة الإدارة ويرأس الهيئة رئيس محايد. 3- النموذج الفرنسي: اتجه المشروع الفرنسي منذ عام 1946 إلى اشتراك المنظمات النقابية في لجان ذات اختصاص استشاري فيما يتعلق بمختلف أوضاع الوظيفة العمومية وتتمثل اللجان الاستشارية في المجلس الأعلى للوظيفة العامة واللجان الإدارية المشتركة واللجان الفنية المشتركة. ويتشكل المجلس الأعلى للوظيفة العامة في فرنسا بقرار من رئيس الوزراء حيث يضم 16عضوا يمثلون الإدارة وهو مجلس يختص بمناقشة كافة المسائل ذات الطابع العام المتعلق بالوظيفة والموظفين العموميين. ويجتمع هذا المجلس بناء على طلب رئيس الوزراء أو بناء على طلب مكتوب من ثلثي أعضاء المجلس نفسه، وتتمثل نتيجة عمل المجلس في اقتراحات تقدم لرئيس الوزراء، كما يعرض عليه تقرير سنوي عن حالة الوظيفة العامة، وكذا فانه يتعين احاطة بمشروعات القوانين التى تهدف إلى تعديل التنظيم التشريعي للوظيفة العامة، ويختص أيضا بالتنسيق بين اللجان الإدارية المشتركة. أما اللجان الإدارية المشتركة فهى تشكل في كل وزارة، وفي كل مرفق من المرافق العامة وتتكون من أعضاء معينين من قبل الإدارة، وعدد مماثل من الأعضاء اللذين ينتخبهم الموظفون في الوحدة الإدارية التي تتكون فيها اللجنة، وهكذا فإن النقابات لا تعين هؤلاء الأعضاء وإنما يختارهم الموظفون أنفسهم، وإن كان للنقابات دورا أساسيا في تحديد الأشخاص الذين ينتخبهم الموظفون. وتختص اللجان الإدارية المشتركة بإصدار التوصيات في شأن مختلف الأمور الوظيفية الفردية، وعلى الرغم من الاختصاص الاستشاري لهذه اللجان فإن أخذ رأيها يعد إجباريا قبل اتخاذ أي قرارات فردية بشأن الموظفين، ويمكنها في حالة مخالفة الإدارة لرأيها أن ترفع الأمر للمجلس الأعلى للوظيفة العامة لإبداء الرأي فيه. أما اللجان الفنية المشتركة فإنها لا تعني بالأمور الفردية كما هو الحال بالنسبة للجان الإدارية وإنما تعني بالأوضاع العامة للعمل في مجال الوظيفة العامة. وتوجد لجنة فنية مشتركة في كل وزارة وتتكون من أعضاء نصفهم يمثلون جهة إدارية والنصف الآخر تعينه نقابات الموظفين، وتختص اللجان الفنية بتقديم النصيحة للوزارة في شأن تنظيم وعمل المرافق الداخلة في اختصاصها بما في ذلك التطوير الفني في أساليب العمل وتطوير وتعديل النظم التشريعية التي تحكم الموظفين في الوحدة الإدارية التي تقع في دائرة اختصاص اللجنة. وتصدر التوصيات عن كل اللجان السالفة الذكر بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين وتكون رئاستها للممثل عن الإدارة ............ (البقية فى المقال القادم)