د. فتحي مرعي : التساهل مع النفس هو الإذعان لمطالبها, والتسليم لها بكل ما تريده.. والنفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي, وهي كالطفل الذي كلما حققنا له رغبة زهد فيها وطلب غيرها, وهكذا بلا نهاية.. وليست كل رغبة له تصلح له, فإذا اعترضنا أو رفضنا له طلبا, ملأ الدنيا صياحا وعويلا, إلي أن نستجيب له كارهين مضطرين, لكي يتوقف عن الصياح والعويل.. وهكذا يصبح طفلا مدللا, لا يملك أحد أن يؤخر له طلبا, ويمضي في هذا الطريق إلي نهايته المحتومة وهي الضياع والفشل.. وما العمل ؟ العمل هو الحزم وعد الاستجابة لكل رغبة له مهما علا صياحه وإرتفع عويله, وهذا في صالحه لا شك في ذلك.. كذلك النفس البشرية, إن تساهلنا معها وأذعنا لرغباتها جمحت وأوردتنا موارد التهلكة, بل نكون حازمين مع أنفسنا حتي يسلس قيادها.. هذا إذا كنا نريد الفلاح في الدنيا والفوز في الآخرة, ولنمعن النظر إلي قول العزيز الحكيم ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها( الشمس7 01) أي أننا نفلح إذا ارتفعنا بها عن الدنس وألزمناها الجادة, ونغوص في الوحل إلي آذاننا إذا وافقناها علي هواها, وتركنا لها الحبل علي الغارب.. وأمامنا أمثلة لا تعد ولا تحصي لشباب فسد ولم ينجح في أي شئ.. لا في دراسته ولا في حياته العملية, لأن أهاليهم لم يكونوا يرفضون لهم طلبا في حياتهم المبكرة, فشبوا علي ذلك, والمثل الشعبي يقول من شب علي شئ شاب عليه. لم نصادف إنسانا يستجيب لكل رغباته وما يمليه عليه مزاجه, إلا وارتطمت رأسه بالصخور, وأصبح عبرة لمن يعتبر.. فالحذر كل الحذر من تدليع الأبناء بالزيادة.. لأن هذا يقضي علي حاضرهم ومستقبلهم, والحذر كل الحذر من أن نستجيب لكل ما يستهوينا, فهذه هي الوصفة الأكيدة للهلاك.. إذ أن النفس كما تقدم القول كالطفل كلما أرخينا له العنان زادت طلباته وكثرت رغباته, حتي يفلت زمامه.. يفلت زمامه من أبويه وهو صغير, ويفلت زمامه من يده حين يتقدم به العمر, فلا يعود قادرا علي الإحجام عما يضر به وبسمعته, وبصحته, وبأدائه في حياته العملية علي الإجمال.. فالوقاية من الأساس هي السبيل الأمثل, لأن العلاج ليس متاحا في أغلب الأحوال.. والعلاج في حالة كهذه حتي مع التفاؤل لن يكون كاملا شاملا.. قد ينجح في تدارك أسوأ ما وصل إليه مثل هذا الشخص الذي فلت منه الزمام, ولكنه لن يجعل منه إنسانا صالحا وكأن شيئا لم يكن.. لأن أمورا تكون قد حدثت ولا نستطيع أن نفعل فيها شيئا, والمتاح هو محاولة تقليل الضرر ما أمكن في ضوء المعطيات الموجودة.. إذن فليس أمامنا إلا الحزم, والحزم لا يعني القسوة علي النفس.. كلا.. ولكنه يعني ألا نسمح لأنفسنا أن تتجاوز الحد أو أن تخرج عن الصراط المستقيم, أي الإستقامة والالتزام بها, وعدم التهاون أو التسامح مع النفس, بمعني الانقياد لرغباتها وأهوائها ونزواتها دون مكابح, وذلك حتي تسلم لنا دنيانا وأخرانا..