افرزت ثورة الشعب المصري في25 يناير2011 واقعا جديدا في جميع المجالات خاصة المجالات السياسية والإعلامية, وهذا الواقع الجديد يختلف عن الواقع الذي عاشه المجتمع المصري علي مدي أكثر من نصف قرن من الزمان. لقد ظل الاعلام المصري علي مدي هذه الفترة الزمنية يعاني من سيطرة وهيمنة حكومية علي مختلف المضامين التي تحملها الرسائل الإعلامية المقرءوة والمسموعة والمرئية مما جعل الجماهير المصرية تتعامل مع خطاب إعلامي احادي تصنعه الحكومة وتجمل به نفسها واشخاصها. كما جعل هذه الفترة تخلو من أي ابداعات اعلامية واتسمت الرسائل الإعلامية المقدمة بالجمود والسطحية والمبالغة وتسطيح العقل, وكانت اجندة الإعلام المصري ولفترات طويلة تركز علي اولويات تقوم علي إلهاء الجماهير وانشغالها بموضوعات لاتسهم باي حال من الاحوال في احداث التطور الثقافي والفكري للانسان المصري ولقد أسهمت هذه المضامين في ابعاد الجماهير عن المعايشة المطلوبة لقضاياها المجتمعية.. وعلي الرغم من تطور تكنولوجيا الاتصال وما احدثته من واقع إعلامي جديد إلا ان هذه التكنولوجيا لم تستغل الاستعلال الامثل في تقديم الرسالة الإعلامية المطلوبة, ولعل المتأمل لواقع معظم القنوات الفضائية العربية يلاحظ انها يغلب عليها اسلوب العشوائية والفوضي في المضامين والاشكال التي تقدمها مما انعكس بالسلب علي المشاهدين العرب الذين اصبحوا محاصرين بمضامين اعلامية يغلب عليها الطابع السطحي الذي لايمكن ان يسهم بحال من الاحوال في بناء عقل المشاهد ودعم انتمائه لوطنه ومشاركته المجتمعية. لقد عاش الجمهور المصري فترات طويلة امتدت عدة عقود من الزمان وهو محاصر باعلام غلب علي مضمونه التلهية والتسلية التي تسهم في تسطيح العقل ولم تفكر الحكومات المتعاقبة علي مدي هذه السنوات الطويلة في الاستفادة من قدرات الإعلام في المساهمة في تشكيل الملامح الحضارية والثقافية للانسان المصري, وفضلا عن ذلك كان الإعلام خاليا من اية استراتيجية أو خطة علمية تحكم ممارساته وتوجه اهدافه لصالح المجتمع المصري, لقد سخر الإعلام المصري لدعم مؤسسة الرئاسة بكل رموزها وكذلك الحكومة والقوي الفاعلة في الحزب الوطني وكانت كل هذه الأطراف تهيمن بقوة علي مقدرات الإعلام ووسائله المختلفة. ما احوجنا الآن في مرحلة ما بعد ثورة يناير ان نعيد ترتيب البيت وكذلك صياغة انفسنا واهدافنا بما يجعلنا قادرين علي مواجهة تحديات الفترة القادمة, وبما يقربنا من تحقيق الأهداف التي طالما حلمنا بها جميعا لمصر والمصريين, لقد فاتنا الكثير واصبح علينا الآن ان نلم الشمل ونسارع الخطي من أجل تعويض كل مافات علي جميع المجالات والاصعدة من أجل بناء مصر جديدة وديمقراطية وتتبوأ المكانة اللائقة بها علي الساحة العالمية. ان علي جميع مؤسسات الإعلام المصري في هذه المرحلة سواء كانت حكومية أو خاصة أو حزبية أو مستقلة ان تتكاتف فيها بينها من أجل المصلحة العامة المصرية وليس لمصلحة فئة أو جماعة أو فرد وانما يكون هدفها هو كيف ندعم الممارسة الديمقراطية في مناخ صحي, وكذلك تنمية روح المشاركة عند جميع المواطنين, وعليها فضلا عن ذلك ان تحافظ علي ثورة الشعب المصري وتدعم كل ماتستلزمه المرحلة القادمة من أجل غد افضل لمصر والمصريين. نحن الآن في هذه المرحلة الجديدة علينا ان نحسن استخدام الإعلام المصري بكل وسائله واشكاله واطيافه من أجل بناء عقل مصري مستنير ومتطور ومنتم لقيمه وتاريخه وتراثه ومشارك في بناء مجتمعه ويشعر بقضاياه ومشاكله, نحن في حاجة إلي انسان مصري جديد يقبل التحدي وقادر علي المنافسة مع الآخرين وينتمي لحضارة لها جذور تاريخية ويريد ان يبني عليها حضارة جديدة في ظل هذا الواقع الجديد, لكي يستطيع الاعلام المصري في مرحلة ما بعد الثورة ان يؤدي رسالته الإعلامية المرتبطة بمسئولياته المجتمعية فلابد ان يحكم الإعلامي مجموعة من الضوابط الاساسية: أولا: لابد من وجود اجندة اولويات ضرورية تحكم المضامين الإعلامية المقدمة في مختلف وسائل الإعلام بحيث يتم التركيز علي القضايا والمشكلات الاساسية للمواطن المصري وبما يجعل هذا المواطن يشعر بان اجهزة الاعلام في مصر هي مرآة حقيقية لاهتماماته وقضاياه ومشاكله وتطلعاته واحلامه وآماله في المستقبل, ويستلزم ذلك بطبيعة الحال ان تقوم هذه الوسائل علي مصداقية الرسائل الإعلامية التي تقدمها للجماهير. ثانيا: توسيع قاعدة مشاركة الجماهير المصرية في صنع الرسالة الإعلامية وان يفتح المجال امامها للتعبير عن نفسها بكل توجهاتها السياسية والفكرية مع ضرورة مراعاة عدالة اتاحة الفرصة امام الجميع. ثالثا: ان تكون مصالح الانسان المصري هي الهدف الاساسي الذي تعمل من أجله جميع وسائل الإعلام المصري بجميع اشكالها وانماط ملكيتها ويجب ان يتم ذلك بعيدا عن الاثارة والمبالغة والتهويل, وكذلك ان تبتعد هذه الوسائل عن تقديم المضامين التافهة والسطحية, وانما تقوم وسائل إعلامية علي الحرفية المهنية وقواعدها واخلاقها. رابعا: استخدام خطاب إعلامي يراعي آداب واخلاقيات الحوار ويدعم الممارسة الديمقراطية وقبول الآخر, ويسهم في نفس الوقت في بناء مجتمع ديناميكي يتسم بالحراك في جميع مجالاته وانشطته. خامسا: ان تكون المضامين الإعلامية معبرة عن الانسان المصري وتاريخه وهويته وعاداته وتقاليده واخلاقياته وذلك بما يسهم في تقديم شخصية المجتمع المصري كشخصية لها خصائصها التي تعتز بها امام باقي المجتمعات في العالم.. ويستلزم ذلك بطبيعة الحال عدم تقليد النموذج الغربي في كل شيء.. علينا الانفتاح علي الثقافات الاخري ولكن يجب ألا تضيع الذاتية الثقافية للمجتمع المصري بل يجب ان يكون لنا حق الاسهام في الحوار بين الثقافات. سادسا: يمكن لاجهزة الإعلام ان تسهم في تطوير انماط السلوك بما يتلاءم مع ظروف الحياة الجديدة, وكذلك تعليم الجماهير اساليب مختلفة في السلوك الفردي والجماعي مع تقديم المعلومات التي تسهم في عملية التكيف والتطوير الاجتماعي. سابعا: مراعاة حسن اختيار القائمين بالاتصال في وسائل الاعلام وضرورة ان تتوافر فيهم الشروط المهنية اللازمة للعمل الإعلامي وذلك بما يمكنهم من حسن اعداد الخطاب الإعلامي وزيادة تأثيره علي الجماهير. ثامنا: من الضروري سرعة التفكير في اصدار قانون حرية تداول المعلومات, ذلك ان توافر المعلومات اللازمة لعمل وسائل الاعلام سوف يساعد علي نقل الحقائق والتغلب علي ما تسببه الشائعات من بلبلة الرأي العام. تاسعا: البعد عن لغة الاثارة والابتذال والاتهامات والصراخ والمبالغة والتهويل ونشر الجهل لانها جميعا تسيء لصورة الانسان المصري.