ذات مساء, كان يشاهد في استرخاء أحداث الدنيا علي شاشة التليفزيون, ولم يكن يتوقع خبرا مثيرا أو حدثا خطيرا. وفجأة استأثر بانتباهه مشهد كأنه زلزال سياسي.. فقد اجتاحت الجماهير الثائرة في المانياالشرقية سور برلين. وعبر الغاضبون علي النظام الشمولي والشيوعي الي الحرية, ووطأت أقدامهم برلينالغربية. واستبد السؤال بالرئيس الأمريكي جورج بوش الأب.. ماذا يحدث؟ ولم تجب علي سؤاله مذكرات أجهزة مخابراته الاخطبوطية المتناثرة فوق مكتبة البيضاوي في البيت الأبيض. وهكذا كان آخر من يعلم. وكان سقوط سور برلين في11 نوفمبر1989 مقدمة لانتصار ثورات أوروبا الشرقية, وانهيار الاتحاد السوفيتي, القوة العظمي الثانية, ولم يكن ميخائيل جورباتشوف الرئيس السوفيتي الاخير أحسن حالا من بوش الأب. فقد كان نائما وقت اجتياح السور. ولم يعلم بالنبأ الكوني الا في صباح اليوم التالي. وقد اعترف بذلك. لقد باغت ثوار المانياالشرقية القوتين العظميين أما الثورة المصرية, فقد أعلن الثوار عن بدء انطلاقها. وكانت أجهزة الأمن والقهر للطاغية علي أهبة الاستعداد لقمعها. وكان الظن أن مظاهرات25 يناير لن تعدو كونها مظاهرات كسابقتها. وعندما تنتهي آخر النهار يعود المتظاهرون الي منازلهم ليتابعوا برامج المساء والسهرة علي شاشات تليفزيون الثرثرة السياسية. غير أن المتظاهرين الشباب فاجأهم انضمام الشعب بكل أطيافه ومختلف فئاته للمظاهرات في كل ميادين التحرير بالمدن المصرية. وعندئذ أصبحت المظاهرات ثورة شعبية. ولم يعد الثوار الي منازلهم, وانما مكثوا ثمانية عشر يوما في الميادين. وسقط الشهداء. وعلا سقف المطالب والهتافات الشعب يريد اسقاط النظام. واضطر مبارك للتنحي.. في بداية مشهد تاريخي لتفكيك نظام تحالف الاستبداد والفساد. الثورة المصرية, بكل جلالها وعنفوانها, اربكت أمريكا القوة العظمي الوحيدة منذ الانهيار السوفيتي عام.1991 ذلك أن مصالحها الاستراتيجية كانت مصونة طالما بقي الطاغية, ولا بأس بالوريث.. شأن مصري. وعبرت هيلاري كلينتون عن ارتباك ينم عن عدم ادراك عندما قالت ان نظام مبارك باق. ثم تراجعت الادارة الامريكية., بدا باراك أوباما, في نهاية المطاف, وكأنه يوشك علي الانضمام للثوار في ميدان التحرير. في ذلك الوقت, كان صانعو القرار في أمريكا وأوروبا يبحثون في الملفات القديمة عن مؤشر لإمكان التعامل مع الثورة المصرية, والربيع العربي الديمقراطي التي تجلت بشائره في تونس. وقال نفر من الحكماء إنها ثورات تماثل ثورات أوروبا الشرقية عام.1989 غير انهم عندما تأملوا المشهد العربي وأمعنوا النظر في تفاصيله, اكتشفوا أن المقارنة ليست دقيقة. وأن الثورتين ليستا وجهين لقصة واحدة. وخلصت باحثة أمريكية هي جين ماري جوهيو الي أن الثورات العربية, وان كانت تنشد تحقيق الديمقراطية, الا أن العدالة الاجتماعية هي محورها الأساسي. واشارت الي ان أمريكا وأوروبا يفقدان دورهما القديم في المنطقة العربية بسبب تعاونهما مع الديكتاتورية. والمحت الي أن التأثير السياسي الغربي في المنطقة يدخل مرحلة الكسوف. وعلي الغرب أن يعي ذلك, ويكيف سياساته مع واقع الربيع العربي الجديد. ما أروع التيار الجديد للتاريخ الآتي.. حرية واستقلال في اتخاذ القرار.. وعناق حميم ونبيل بين الديمقراطية والعدل الاجتماعي. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي